آخر تحديث: 2024-03-14

     واحة الفكر والثقافة

نحن بحاجة اليك
انعقدت خناصر أهل العلم على كبير فضله، وكريم خصاله، ودماثة أخلاقه، وجمّ تواضعه، وحميد جُرْأته
::: المزيد

................................................................

دراسات قرآنية
إعمار بيوت الله
إصلاح ذات البَين
مكانة المرأة في الإسلام 3
مكانة المرأة في الإسلام 2
::: المزيد

................................................................

دراسات من الواقع
عُرف الصيام قديماً منذ آلاف السنين عند معظم شعوب العالم، وكان دائماً الوسيلة الطبيعية للشفاء من كثير
::: المزيد

................................................................

مقالات فكرية
خطة رمضان ( أنا والقرآن )
كيف يصوم اللسان؟
اللغة العربية والإعلام 2
تلاوة الأطفال للقرآن وسماعه تأديب وتربية وتعليم:
::: المزيد

................................................................

مقالات دعوية
من شمائل وأوصاف النبي المختار صلى الله عليه وسلم
بر الوالدين (حقوق الأولاد )
بر الوالدين 2( ولاتنهرهما )
بر الوالدين 1
::: المزيد
 

     وجهـة نظــر

خواطر شبابية
هل أنت تعامل الناس بأخلاقك ام بأخلاقهم ؟
من هو شهر رمضان ؟
أمـــــــــــــي
غزة والصحافة العربية
::: المزيد

................................................................

خواطر أنثوية
الأم
أفضل النساء
المعلِّم
همسة مؤمنة
::: المزيد

................................................................

مشكلات اجتماعية
قطيعة الرحم
في بيتنا أسير للكلمة التافهة !
15 حلا في 10 دقائق
كيف يقترب الأبوان من قلوب أبنائهم وبناتهم؟
::: المزيد

     سـؤال و جـواب

فتاوى
ظهور أحد في عمل فني يمثل شخصية سيدنا محمد
القتل
شروط الذكر
تسويق
::: المزيد

................................................................

مشكلات وحلول
احب احد من اقاربي
أرجو الرد للضرورة القصوى
ارجوكم ساعدوني انا افكر في الانتحار
أغاني تامر
::: المزيد

................................................................

تفسير الأحلام
حلم طويل
حلم غريب
حلم عن الحصان والفيل
انا تعبان
::: المزيد

................................................................

الزاوية القانونية
إبطال زواج
عقد الفرز والقسمه
الوكالة
الشهادة
::: المزيد
 

       أحسـن القـول

برنامج نور على نور الاذاعي
إعداد وتقديم :
الأستاذ الشيخ أحمد سامر القباني
والأستاذ الشيخ محمد خير الطرشان
الإرهـــاب
فريضة طلب العلم
خلق الحلم 2
خلق الحلم 1
::: المزيد

................................................................

محاضرات و نشاطات
سمك يطير
سمية في تركيا
ندوة الشباب ومشكلاتهم 2
ندوة الشباب ومشكلاتهم 1
::: المزيد
 

       اخترنــا لكـم

هل تعلم؟
هل تعلم
فوائد الليمون
فنون الذوقيات والإتيكيت الإسلامي3
فنون الذوقيات والإتيكيت الإسلامي2
::: المزيد

................................................................

قصة وعبرة
أبتي لن أعصيك... فهل لك أن ترجع لي يدي؟
أثر المعلم
المهم " كيف ننظر للابتلاء عندما يأتي ؟
كيس من البطاطا ..
::: المزيد
 

   ::    المزيد من الأخبار


الموجز في قواعد اللغة العربية

كتابٍ من صنعة متخصصٍ في علوم العربية عاش حياته لأجلها تأليفاً وتدريساً، ويدرك القارئ لهذا الكتاب تمكن المؤلف رحمه الله في هذا المجال وقدرته التي أعطت الكتاب ذوقاً فنياً عند صياغته له بمنهج مبسط واضح جامع.
::: المزيد

 

 

حسب اسم الكتاب

حسب اسم الكاتب

حسب الموضوع

dot الموجز في قواعد اللغة العربية
dot غزوة الأحزاب بين الأمس واليوم
dot الإعجاز التشريعي والعلمي في آيات الطعام والشراب في سورتي المائدة والأنعام
dot أمريكا حلم الشباب الواهم

dot حاشية ابن عابدين
dot الموجز في قواعد اللغة العربية
dot معجم أخطاء الكتّاب
dot الميسر في أصول الفقه





 

 

 

 

 

 

 

 

 


واحة الفكر والثقافة >> مقالات دعوية :

نعمة الصحة والعافية

أيها الإخوة المؤمنون.. نعمة الصحة والعافية.. هذا هو موضوع الحديث اليوم.. وقد يبدو الحديث عن هذا الموضوع غريباً بعض الشيء، لأن الصحة والعافية أمر صرنا نعده من المسلمات، وصرنا لا نلتفت إليه فلا نذكر هذه النعمة إلا عند المرض، ولذلك نبهنا النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى ذلك في حديث صحيح أخرجه البخاري، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) يقول عليه الصلاة والسلام: (مغبون فيهما كثير من الناس) معنى الغبن: عدم معرفة القيمة، بلغة التجارة: عندك بضاعة بألف بعتها بمائة، غُبِنْتَ، لا تعرف قدر ما عندك، لا تعرف قيمة ما تملك، فأخذ منك بسعر رخيص. (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) أي: لا يعرف كثير من الناس قدر كل واحدة من هتين النعمتين فهو يُغبن، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الصحة) هذه الأولى، والثانية: (الفراغ) لأننا لا نعرف قدر الصحة، ونظن أن الإنسان ولد هكذا ويبقى هكذا إلى أن يموت هكذا كما هو، قوي شديد صحيح بريء من الأسقام والعلل!.

الإحصائيات تقول: هناك سبعة وعشرون ألف مرض!، وقواميس الأمراض ما تزال تزيد وتضم أعداداً من الأمراض تكتشف كل سنة، هي إما أمراض لم تكن معروفة من قبل فعرفت الآن، أو أمراض لم تكن موجودة من قبل فأُحدِثت الآن بما يُحدِث الناس من الذنوب.

فكيف نعرف قدر هذه النعمة؟.. ربما نعرف قدر ليلة القدر، وقد نزل فيها القرآن الكريم، ((إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر)) هذه الليلة ربما تكون فرصة الإنسان في عمره، يقبل فيها على ربه فيدعو بدعوة فتستجاب، ما هي هذه الدعوة؟.. لو أعطي إنسان المجال لمقابلة ملك أو وزير أو رئيس، وقال له: اطلب ما تريد وسل ما تشاء أعطيه لك، ربما يقول: أريد سيارة، أو يقول أريد مالاً، ربما آخر يقول أريد الصحبة والمجالسة، وآخر يقول أريد كذا وكذا.. عندك فرصة في ليلة القدر تريد أن تسأل الله تعالى والدعاء مستجاب، السيدة عائشة رضي الله عنها تنبهت لهذا الأمر، فسألت النبي عليه الصلاة والسلام وقالت: (يا رسول الله، إذا رأيت ليلة القدر ماذا أقول؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) خلاصة الكلام كلمة واحدة: (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) هذا ليس طلباً للعفو والمغفرة من الذنوب والمعاصي فحسب، لكن هذا يعني أنك مقصر في حق الله تعالى، ولم تقم بحقوق العبودية لله عز وجل، ولم تقم بحقوق الشكر لله عز وجل على ما أنعم به عليك وعلى ما وهبك وأعطاك.

الواحد منا يعرف نعمة الصحة بعد المرض، يعرف نعمة الغنى بعد الفقر، فيشكر الله تبارك وتعالى على العافية بعد المرض، يشكر الله تعالى على نعمة السعة في الرزق ووفاء الدين لكن بعد الضيق والعسر والفقر والفاقة، يشكر الله تبارك وتعالى على نعمة الحرية بعد تقييد الحرية، يشكر الله تبارك وتعالى على نعمة القوة بعد الضعف، هذا خطأ، (تعرّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة) ينبغي أن تشكر الله تبارك وتعالى على النعمة وهي معك قبل أن تبتلى بالفقد، قبل أن تعرف الضد، صحيح أن معرفة الأضداد تفيد وتميز، لكن صاحب البصيرة يعرف قدر ما عنده قبل أن يمتحن، صاحب الذهب الذي يعرف قيمة الذهب واللؤلؤ والجوهر والياقوت والزبرجد يعلم قيمة ما عنده ولا يحتاج لمقارنته بالحجر والتراب والجص وغير ذلك، يقول: أنا أعرفه، فلا يضع أمامه الجص ويقول: الحمد لله الذي عندي ذهب وليس جصاً، لا يضع الحجر ويقول: الحمد لله الذي عندي زبرجد وألماس وياقوت وليس حجراً، اعرف قيمة ما وهبك الله تبارك وتعالى من نعمة الصحة والعافية.

الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بنعم كثيرة، ولا نعمة بعد نعمة الإسلام والإيمان ومعرفة الله تبارك وتعالى ومعرفة النبي عليه الصلاة والسلام أعظم من نعمة العافية، وقد جاء هذا في حديث عنه عليه الصلاة والسلام، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة خير من الغنى لمن اتقى) هذا في معرفة مراتب النعم، (والصحة خير من الغنى لمن اتقى)، أيهما خير لك المال أو الصحة؟ لا شك أن الصحة خير من المال، بعض الناس يغفل عن ذلك، فيطلب التجارات والأموال، ولا يبالي أكان صحيحاً أم سقيماً، لكن النبي عليه الصلاة والسلام يبين لنا في هذا الحديث أن الصحة خير من المال، ولو وضع مال الدنيا كله بجنب ألم أو وجع أو مرض لكانت الصحة والعافية والسلامة من ذلك المرض والبرء من ذلك الوجع خير من مال الدنيا أجمعه، لكن الإنسان لا يعرف قدر النعمة نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا وعليكم نعمة العافية، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام حثنا على أن نسأل الله تبارك وتعالى العافية، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: (اللهم إني أسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة).

وفي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري والترمذي وغيرهما: (من بات آمناً في سربه معافاً في بدنه عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) (من بات آمناً في سربه) أي: في بلده وفي وطنه في بيته، هي نعمة الأمن، وأصل الأمن الإيمان بالله تبارك وتعالى ((أولئك لهم الأمن))، فالأمن يبتدئ من الإيمان، الأمن يبتدئ من العبادة لله عز وجل والإقرار له بالعبودية، يبتدئ من الإسلام والأحكام، الذي يظن أن الأمن هو الأمن من العدو الذي  يدهم والأمن من سلب المال، إنما يقصر الأمن على الأشياء الحسية، الأمن مصدره في المجتمعات قلب الإنسان، والقلب لا يمكن أن يكون آمناً ما لم يحل فيه الإيمان، ولذلك فإن الأمن والإيمان مشتقان من جذر واحد: (أَمِنَ)، ومنه: (آمن). (من بات آمناً في سربه معافاً في بدنه): إذا رزقك الله تبارك وتعالى الأمن والعافية ماذا تريد بعد ذلك؟ ثم قال: (عنده قوت يومه) عندك طعام يوم وليلة، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) أي: كأنما ملك الدنيا بأجمعها، من هو الملك؟ الملك هو الذي يبيت آمناً مطمئناً في فراشه متكلاً على الله تبارك وتعالى واثقاً بوعده مقبلاً عليه سبحانه.

حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى ضرب مثلاً في كتابه: (إحياء علوم الدين) فقال: (تدعي أنك فقير! أتبيع نعمة البصر بعشرة آلاف درهم؟! أتبيع نعمة السمع بعشرة آلاف درهم أتبيع نعمة كذا بكذا وكذا؟) مرة كنت في المركز الإسلامي في مدينة نيويورك أخطب باللغة الإنكليزية وفي المسجد نحو ثلاثة آلاف رجل فخاطبت الناس قلت هل من أحد يشتكي الفقر ويريد أن يكون مليونيراً، ويستبدل بنعمة البصر مليون دولار؟! هل في المسجد من يرغب بمليون دولار ويطرح نعمة البصر؟! إذا أحد يريد ذلك ما عليه إلا أن يرجع إلى البيت وأن يقوم من الليل وأن يدعو الله تبارك وتعالى ويقول: يا رب أعطيت لفلان نعمة البصر (يتحدث بلسانه)، خذ ذلك وهبني مليون دولاراً، هل في المسجد من يستبدل بنعمة السمع مليون دولاراً؟ لم يرفع أحد يده إطلاقاً.

وأقول للذي يشتكي الفقر أو يشتكي الضيق أو يشتكي قلة ذات اليد أو يشتكي كثرة الدين، هل ترضى أن يأخذ الله تبارك وتعالى منك نعمة العافية ويعطيك ما تريد من الدنيا؟ معاذ الله، لا يظن هذا بعاقل إطلاقاً. إذا كانت نعمة البصر لا تستبدلها بمليون دولار ونعمة السمع لا تستبدلها بمليون دولار ونعمة كذا لا تستبدلها بكذا ونعمة كذا لا تستبدلها بكذا.. فأنت مليونير ولا تدري!.

الرزق ضمنه الله تبارك وتعالى لك، فلا تشتغل بما ضمنه الله تبارك وتعالى لك عما أمرك الله عز وجل به، هناك أمران: أحدهما أنت مأمور بتحصيله، والآخر قد ضمن لك، المأمور أنت بتحصيله هو العبادة والطاعة والفرائض والواجبات.. والرزق مضمون، لكن عليك مباشرة أهون الأسباب وأيسر الأسباب لتحصيل الرزق، صرنا نفرط في حقوق الله تبارك وتعالى من العبادات والفرائض والواجبات، ونقضي الأوقات في تحصيل الرزق بطريقة نقصر فيها بجميع الحقوق، حقوق الله وحقوق الأولاد وحقوق الأهل وحقوق المجتمع وهكذا.

يروى أن الحجاج بن يوسف الثقفي -على ما يروى عنه من ظلم شديد- كانت عنده بعض الحكمة، فمرة من المرات خرج في البادية، ومعه طعام قد صنع له في قصره، فقُدِّم الطعام أمام أحد الأعراب، فسأل ذلك الرجل عن الطعام قال: أطيب هو؟ فقال الحجاج: أما إنك لم تطيبه أنت ولا طباخك، وإنما طيبته العافية. أخذ هذا المعنى بعض الشعراء كأبي الطيب، فقال:

ومن يك ذا فم مر مريض *** يجد مراً به العذب الزلالا

العسل الذي هو شفاء، وربما يكون أطيب طعام خلقه الله تبارك وتعالى، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- عن العسل واللبن: (هما الأطيبان)، إذا شربه المريض بأهون الأمراض كالزكام مثلاً أو الحمى، لا يعرف طعمه، تغيب عنه الطعوم بأيسر الأمراض، فأين نحن إذا من معرفة هذه النعمة نعمة الصحة والعافية!؟.

لذلك ينبغي أيها الإخوة بعد أن عرفنا قدر هذه النعمة أن نحافظ عليها، يقولون في الحكم: (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى) هذه حكمة من الحكم، وهي حكمة صحيحة، وغالباً ما يفرط الإنسان بنعمة الصحة والعافية، السؤال: ألسنا نحن مؤتمنين على ما وهبنا الله تبارك وتعالى؟ من المال والأهل والولد.. كذلك أيضاً نحن مؤتمنون على ما وهبنا الله من القوة والصحة والعافية.. أنت مؤتمن على ما وهبك الله تبارك وتعالى، لذلك يجب عليك أن تراعي القواعد الشرعية في حفظ الصحة كي تبقى لك هذه الصحة والعافية إلى آخر لحظة في حياتك، فجسمك ليس ملكاً لك، لذلك لا يجوز للإنسان أن يبيع أعضاءه، أعضاء الإنسان لا تدخل تحت عقد بيع إطلاقاً، نقل الأعضاء من الضرورات الشرعية، وقد ألف العلماء في ذلك من الضرورات الشرعية، لكن بيع الكلية وبيع الأعضاء مما لا يجوز شرعاً، لأن الإنسان لا يجوز أن يبيع ما لا يملكه، وهذا الجسم أمانة بين يديك ينبغي عليك أن ترعاه حق الرعاية.

بعض الناس يظن أن رعاية الجسم والرياضة ومراعاة الطعام والشراب هذه أمور غربية جاءتنا من الولايات المتحدة الأمريكية ومن بلاد أوروبا، الحقيقة أن هذا من صلب الدين، وأنه من الإسلام، لأنك بحفظ الصحة تعبد الله تبارك وتعالى قائماً، الواحد منا إذا أكل طعامه وشرابه الذي يتلذذ به ويسد به رمقه ويدفع به عن نفسه غائلة الجوع هذا الطعام والشراب عبادة ينبغي للإنسان أن ينو بها التقوِّي على طاعة الله تبارك وتعالى، التقوي: أن تبقى لك القوة لتصلي قائماً لله تبارك وتعالى، تبقى لك القوة لتبقى شديداً قوياً تبني في المجتمع وتغيث الضعفاء وتعين الناس وتلبي حاجة أهلك وتسعى في رزق أولادك.. هذا من الواجبات مما ينبغي أن يتنبه له كل واحد منا.

لذلك وضع النبي عليه الصلاة والسلام القواعد الصحية، (ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه فإن كان ولا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه) والأحاديث في ذلك واسعة، وهذا باب يسمى (باب الطب النبوي) مما ينبغي أن يقرأه كل واحد منا، ألف فيه العلماء مؤلفات جليلة، كالإمام شمس الدين الذهبي والإمام ابن القيم الجوزية وغير هؤلاء كالإمام السيوطي، (الطب النبوي) أي: القواعد والنصائح النبوية في حفظ الصحة عامة وفي المداواة عامة.

إذا أردنا أن نعرف علم الطب، ما هو؟.. نحن نظن أن علم الطب هو علم مداواة الأمراض، ابن سينا رحمه الله تعالى له أرجوزة في الطب يقول فيها:

الطب حفظ صحة برء مرض *** من سبب في بدن عنه عرض

أول تعريف من تعريفات علم الطب: حفظ الصحة.. مداواة الأمراض هذا أمر ثان يأتي بعد ذلك، لكن أول غاية من غايات الطب إنما هي حفظ الصحة، أي معرفة القواعد التي يقي بها الإنسان نفسه من الوقوع في المرض، لذلك قالوا في الأمثال: (درهم وقاية خير من قنطار علاج)، أي: أن يقي الإنسان نفسه من الوقوع في المرض، ولذلك فإن بعض الشعراء يقول مثلاً:

يا آكلاً كل ما اشتهاه *** وشاتم الطب والطبيبِ

ثمار ما غرست تجني *** فانتظر السقم من قريبِ

الذي يأكل ما هب ودب، ولا يراعي أمور صحته وجسمه وما يناسبه ويلائمه من الأطعمة في سائر الأوقات، ولا يلاحظ قدر ما يحتاج إليه من الطعام والشراب، هذا لا بد أن يمرض بعد مدة من الزمان، وهو آثم بذلك لأنه يفرط في نفسه ويضيع صحته، وقد أمرنا بحفظ الصحة، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو لأصحابه بالصحة، كلمة (صَحَّه) عندنا في الشام تقال إذا غص الإنسان بلقمة أو شرق بشراب، يقولون له (صَحَّه) السؤال: هل لهذا أصل في الدين؟.. نقول: نعم، والكلمة إنما هي: (صِحَّة)، يقال في اللغة العربية: (صَح - يصِح - صُحاً وصِحة) مثل: (ذُلاً وذِلة)، وجاء ذلك في المستدرك للحاكم في حديث صحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لأم أيمن لما شربت: (صِحةً يا أم أيمن) أي: تصحين صِحةً، أو: صححت صِحَّةً.

ذكرنا سابقاً أن ليس كل ما يتناقله الناس من العبارات مثل (صَحَّه ، شكراً..) عادات، بعض الناس يعدل عن كلمة: (شكراً) إلى كلمة: (جزاك الله خيراً)، نعم كلمة: (جزاك الله خيراً) جاءت بها الأخبار النبوية والأحاديث الصحيحة: (إذا قلت لأخيك جزاك الله عني خيراً فقد أوفيت له الجزاء) لكن كلمة (شكراً) ليست من العادات، وإنما هي من العبادات، فإذا قلت: (شكراً) لإنسان، فأنت تعني: شكر الله لك صنيعك شكراً، و (شكراً) مفعول مطلق لفعل محذوف، والتقدير: (شكر الله لك صنيعك شكراً)، فأنت تدعو له، وقد جاء ذلك في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الرجل الذي سقى الكلب -والحديث صحيح- (فشكر الله له فغفر الله له)، فإذا دعوت لأخيك قلت له: (شكراً) فانو بذلك الدعاء له، وإذا قلت: (صحة) فانو بذلك الدعاء لأخيك، أي: تصح إن شاء الله صحة لا تمرض بعدها أبدا،ً يروى في أم أيمن من معجزات النبي عليه الصلاة والسلام أنها لم تشتك بعد ذلك أبداً، بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لها: (صحة يا أم أيمن)، وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: (صحة يا أم هانئ).

يقول بعض الأدباء:

عدوك من صديقك مسـتفاد     فلا تسـتكثرن من الصـحاب

فإن الداء أكثر ما تراه          يكون من الطعام أو الشراب

والبيتان شهيران، والبيت الأول فيه نظر، والمراد به لا تستكثر من الأصحاب والمعارف ولكن من الأصدقاء الأوفياء، الصديق الوفي لا يغدر، الصديق الوفي لا ينقلب عدواً، وكذلك كلما استكثرت من الأطعمة كلما زادت الأمراض.

سيدنا عمر رضي الله عنه مرة من المرات دخل إلى وليمة فرأى فيها أصنافاً من الأطعمة، هذا أحمر وهذا أصفر وهذا أبيض وهذا أسود.. فقال: (إن العرب إذا أكلت هذا قتل بعضها بعضاً) ودعا بقدر واسعة فجمع فيها تلك الأطعمة جميعاً، وأكلها الناس مختلطة، بمعنى أن أكل نوع واحد أكثر إفادة للصحة والعافية، وأكثر وقاية وبعداً عن الوقوع في الأمراض، ولذلك من قواعد علم الطب عند المسلمين أن أمراض أهل البادية تداوى بالأدوية المفردة، لأن طعام أهل البادية والصحراء طعام مفرد، يأكلون القمح أو الأرز لوناً واحداً مع اللحم، وأدوية أهل المدن من الأدوية المركبة، ولا تنفع معهم الأدوية المفردة، لأن طعامهم طعام مركب، ولو نظرنا في مطبخ أهل الشام مثلاً نرى فيه العجائب مما يضم بعضه إلى بعض، فيحتاج بعد ذلك إلى ما يسمى بـ: (الأقرباذين) أي: الأدوية المركبة.

لكن الإنسان لا يحتاج إلى الدواء إذا حافظ على صحته، ورجع إلى القواعد النبوية في تناول الطعام والشراب، إذا رجع إلى آداب الطعام وآداب الشراب، سنة نبوية واحدة لو أخذناها وطبقناها عند الطعام، السنة أن يجلس الإنسان وأن يرفع ركبته اليمنى وأن يجلس على رجله اليسرى، هذه هي السنة في هيأة الطعام عند الجلوس إلى السفرة، بحث الأطباء في ذلك، فقالوا: هذه أفضل جلسة تقيد المعدة وتصغر من حجمها، فيأكل الإنسان بقدر وسط، الآن صار أنجع دواء بعد تنوع وسائل العلاج للسمنة والبدانة عمليات ربط المعدة، مع أنها ذات أخطار واسعة، لأن الإنسان عنده نهم وشره ولا يستطيع أن يمنع نفسه من الطعام والشراب إذا وجد بين يديه!.

الذي لا يستطيع أن يمنع نفسه من لذة طعام وشراب كيف يجاهد في سبيل الله عز وجل؟ كيف يضحي بنفسه وماله في سبيل الله عز وجل؟ كيف يعمل لآخرته وهو لا يستطيع أن يقاوم إغراء طبق طعام بين يديه؟!، يربط معدته حتى لا يأكل إلا بقدر!، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام بين لنا طريقة هينة جداً يستطيع الإنسان بها أن يأكل بقدر معلوم، إذا ما استطاع أن يعرف ما هو الثلث الذي يصلحه.

تقول الإحصائيات: هناك مليونان من الناس في العالم العربي يموتون كل سنة بالأمراض غير المعدية، وأوسع الأمراض انتشاراً في العالم العربي أمراض السمنة والبدانة وأمراض الجهاز الهضمي -نسأل الله السلامة-، وتقول بعض الإحصائيات: ستون بالمائة من الناس في العالم العربي سنة 2020م مبتلون بالسمنة والبدانة والسكري -نسأل الله السلامة-، ما سبب ذلك؟ عدم ضبط الطعام والشراب، بعض الناس يظن أنه وجد في الحياة ليأكل، وتعرفون الحكمة الأجنبية التي ترجمت للعربية: (ينبغي أن نأكل لنعيش لا أن نعيش لنأكل) الطعام والشراب ليس غاية إنما هو وسيلة والغاية معرفة الله تبارك وتعالى وعبادته.

فينبغي لنا أن نحفظ ما وهبنا الله تبارك وتعالى من هذه النعم، ينبغي لنا أيها الإخوة أن نعرف قدر الصحة والعافية، هذا الكلام للأصحاء، وأريد أن أختم بكلام للمرضى وكثير من الناس مبتلون بالأمراض وبخاصة من تقدمت بهم السن، هؤلاء أختم لهم بحديث واحد فيه بشارة من النبي عليه الصلاة والسلام، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لو أن الدنيا بحذافيرها بيد رجل من أمتي ثم قال: (الحمد لله)، لكان (الحمد لله) أفضل من ذلك كله) (لو أن الدنيا بحذافيرها) الصحة والعافية والمال والجاه والمنصب والولد.. (لو أن الدنيا بحذافيرها بيد رجل من أمتي ثم قال الحمد لله) إذا كنت مريضاً قل: (الحمد لله)، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم -وهو حديث ضعيف الإسناد لكن صحيح المعنى كما قال العلماء- : (لا تمارضوا فتمرضوا)، وهو من باب: (البلاء موكل بالمنطق)، إذا كنت صحيحاً أظهر هذه النعمة شكراً لله تعالى، ((وأما بنعمة ربك فحدث))، ولا تظهر المرض لمجرد وجع بسيط فتشتكي وتتلوى وتصيح، أظهر النعمة للمحبين وأظهر الجلد للشامتين.

وتجلُّدِي للشَّامِتِين أُريهمُ *** أني لريب الدهر لا أتضعضعُ

أيها الإخوة، (الحمد لله) خير من الدنيا كلها، ولو كان الواحد منا مريضاً، ولو كان فقيراً، ولو كان سقيماً، إذا قلت: (الحمد لله) فذلك خير لك من جميع ما آتاك الله تبارك وتعالى من الدنيا.

نسأل الله عز وجل أن يحفظ علينا وعليكم نعمة الصحة والعافية، ونسأله سبحانه وتعالى أن يرزق المرضى الشفاء، وأن يهب كل سقيم الدواء، إنه سميع قريب مجيب

 

 

التعليقات

الحمد الله
2010-06-17
جزاك الله عنا كل خير
ميرا

أضف تعليق

عنوان التعليق

الاسم

البريد الالكتروني

نص التعليق

كود التحقق

شروط نشر التعليقات

  • الالتزام بالآداب العامة المتعارف عليها والابتعاد عن أي مفردات غير مناسبة.

  • سيتم حذف أي تعليق لايتعلق بالموضوع .

  • سيتم حذف أي تعليق غير مكتوب باللغة العربية أو الإنجليزية.

  • من حق إدارة الموقع حذف أو عدم نشر أي تعليق لا يلتزم بالشروط أعلاه.

عودة إلى قائمة المقالات

حاشية ابن عابدين
قائمة الكتب
قائمة المخطوطات
واحة الفكر والثقافة
وجهة نظر
سؤال وجواب
أحسن القول
اخترنا لكم
أخبار الدار
كلمة الشهر

احتفظ برباطة جأشك في سبعة مواطن: لقاء الأعداء، ومقابلة الطغاة، واشتداد الفتنة، وتربص الشر، وانتشار البلاء، وسجون المتسلِّطين، وطيش الزوجة الرعناء

afool sees not the same tree that awise man sees


 
النتائج  |  تصويتات اخرى

 









اشتراك

إلغاء الاشتراك

 
 
 


1445 - 1429 © موقع دار الثقافة والتراث ، جميع الحقوق محفوظة
Powered by Magellan