واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
تابع التربية الأخلاقية في الإسلام :
التواضع 1
قال تعالى ((وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ ................... )) [ الكهف/32، 44]
هذه قصّة إنسانٍ قوَّم نفسه على أساس ما يملكه . من أموال و ذريَّة وعقارات , ولَبِسَ رداء الغرور والأماني , وكأن الله تعالى يُعجزه أن يحصي ممتلكاته , وأن يقضي عليها بالدمار و الزوال , عقوبه له على تجبُّره وتعاليه .
والعبرة من ذلك أن نقف دائماً متواضعين على أعتاب الله عزّ وجل , معترفين له بالقدرة على العطاء و المنع , فإن أعطانا شكرنا , و إن مَنَعَنَا صبرنا له الولاية و الأمر , وعلينا الامتثال و الصبر .
هذه الرائعة القرآنية تقدم لنا عرضاً تصويرياً لما ينتاب الإنسان من غرور أو تكبر عند شعوره بالغنى و الجاه ,تلك الظاهرة التي لا تزال تتكرر في حياة الإنسان ما دامت هذه الحياة قائمة .إنها ملحمة الوجود تختزل في أسطر قليلة تصوِّر الحرب الضروس بين الخير و الشرِّ , بين من انتمى إلى جانب الرحمن و من انحاز إلى مكر الشيطان .
وهي قصة تضعنا على مفترق طريقين , ثمَّ تبين لنا بوضوح نهاية كل طريق منهما . طريق الأمن و الأمان الموصل إلى حضرة الله تعالى . و طريق الشَّر و الفساد الموصل إلى ظلمات بعضها فوق بعض , وما على الإنسان إلا أن يختار .
إنها قصة الإنسان صاحب الثروة و المال الوفير , وقد ظن أنه مَلَكَ الدنيا , فلا فقر يؤرِّقه ولا تعاسة تصيبه بعد اليوم , ونسي أن الكثير من الأغنياء المترفين فقدوا ثرواتهم بين عشيَّة و ضحاها لأسباب مختلفة , وأن المرء مها اجتهد في توزيع أمواله ضمن استثمارات مختلفة , تحسباً للطوارئ المهلكة , فلا بد أن يأتيه يوم يترك فيه ثروته , وإن لم تتركه هي , ويُعرض على حضرة الله تعالى مجرداً من كل شيء إلا من أعماله .
لقد نزلت عقوبة الله بالمتكبر كما توقَّع العبد الصالح , بإتلاف جنَّته . فأصبح عاليها سافلها , وقد نصدعت جدرانها و ذوى زرعها فأصبحت أثراً بعد عين .
ودخل المغرور جنته فلم يجد إلا بواراً وخراباً , فصار يقلب كفيه حزناً و أسفاً على ما أنفق فيها من مال و ما بذل من جهد , وعلى ما فرَّط في حقِّ ربِّه . عند ذلك فقط اهتزت فطرته النائمة , واستيقظ ضميره ونادى في مرارة ((يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا )) ياليتني لم أغتَّر بمالي و سلطاني , ياليتني .... ويتلفَّت حوله ليلتمس و لو صديقاً واحداً من الرهط الكبير الَّذي كان يحفُّ به فلا يجد أحداً أنَّه رهط مزوَّر كان منتفعا ً بخيراته وبساتينه , واليوم وقد اندثر النعيم , فقد اندثر معه كل شيء .
ومن هذه القصة المليئة بالعبر نستخلص مايلي :
1- إن الغرور و التّسلط من أشد الأمراض التي يبتلى بها الإنسان , ولا نجد أحداً تكبَّر و تجبَّر إلا أنزل الله تعالى به العقوبة , ومرغ أنفه في تراب الذل و الهوان .
2- إن تعلق الإنسان المفرط بماله يُدخله في دائرة الشرك بالله تعالى .
3- يجب أن يملك الإنسان المال و لا يجعل المال يتملكه , وهذا مرهون بتقوية الصلة بحضرة الله عزَّ و جل .
4- إذا حلَّت النكبة بمؤمن صالح تقي هبَّ إخوانه و أحبابه لنجدته وعونه , فتنقلب عليه برداً وسلاما ً .
5- الولاية لله الواحد الأحد , مالك الأكوان , بيده مقادير كل شيء , وهو على كل شيء قدير ولا حول للمخلوق ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
والحمد لله رب العالمين
غازي صبحي آق بيق/أبو غانم |