كتابٍ من صنعة متخصصٍ في علوم العربية عاش حياته لأجلها تأليفاً وتدريساً، ويدرك القارئ لهذا الكتاب تمكن المؤلف رحمه الله في هذا المجال وقدرته التي أعطت الكتاب ذوقاً فنياً عند صياغته له بمنهج مبسط واضح جامع. ::: المزيد
قال الله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )) [ النحل/90].
وقال أيضاً ((وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا )) [النساء/36] .
يظهر أثر العبادة الحقيقية في الإحسان إلى الناس , وسائر مخلوقات الله تعالى , بدءاً من الأقربين وانتهاءً بكل ذي حياة من إنسان وحيوان ونبات . ولم يكتف الإسلام بزرع بذور الأخلاق الفاضلة والصفات الجلية في النفوس , بل حماها من كلِّ فحشاء ومنكر وبغي , ودعم هذه الحماية بإنذار المعتدين عليها بالعقوبات الزاجرة الرادعة , والإقرار لله تعالى وحده بالربوبية , وتنزيهه أن يكون له شريكٌ , وهو السبيل إلى جميع قلوب الناس على الخير والإحسان .
كما أن الله تعالى لا يحب من يسيء إلى الآخرين بالتكبر في القول أو العمل , أو التعالي على الخلائق والشعور بالعظمة والكبرياء تجاههم .
وهكذا تمزج الآيات الكريمة بين العبادة الصالحة القائمة على عقيدة التوحيد , وبين المعاملة الطيبة , لأنها كلٌّ لا يتجزأ , فهذه الوحدة هي منبع كل التصورات الأساسية للعلاقات الإنسانية في الإسلام , فعندما يؤمن العبد تمام الإيمان بعبوديته لله تعالى الواحد الأحد , يتكيف ضميره وسلوكه مع ما يحبُّه هذا الرب المعبود , فتغدو عبادته أعمالاً تترجم ما يعمل في صدره من تقوى الله عز وجل ومراقبته , وتنقلب أعماله كلها عبادات تترجم ما يعتمل في صدره من تقوى الله عز وجل ومراقبته , ممزوجة بالنية الخالصة المخلصة لله تعالى .
فإذا تربى الناس هذه التربية , تحولت حياة المجتمع بهذه النماذج الصالحة إلى وحدة متماسكة , متينة البنيان , تحكم أفرادها علاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية وأخلاقية , ترتكز على أسس المنهج الرباني السليم , وتور حول محوري العدل والإحسان , فإذا عجز الناس عن الوصول لأحدهما أدركوا الآخر , فيستعدوا ويُسعدوا ؛ لأن العدل يجعلهم يقيمون التوازن والاعتدال بين ما تهوى أنفسهم وما يحبه جلَّ وعلا منهم , فينصفون الناس من أنفسهم ويعطون كل ذي حقِّ حقه .
أما الإحسان فهو الدرجة التَّي تسمو فوق العدل وتتجاوزه إلى البر والإكرام , وهو الفضيلة التي تقود صاحبها إلى الفضائل والأخلاق القويمة كافَّة , لأنه يعني الرقي بالنفس بعد مغالبتها ومجاهدتها إلى مستوى رفيع , بالعفو عن المسيء , والصفح عن المذنب , وصنع الجميل لذاته لا لدفع مغرم ولا لكسب مغنم , بل حباً في الله تعالى وإيثار مرضاته .
والأمر بالإحسان يشمل علاقة الإنسان بربه وهي التي عبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) رواه مسلم عن عمر رضي الله عنه.
كما يشمل علاقة الإنسان بأسرته وأمته , والبشرية كلها . كذلك أن تحسن إلى الخلق بما أعطاك الله تعالى وأراك من سبل الرشاد , فترشدهم وتسلك بهم طرق الحق للوصول إلى كل خير , قال الله تعالى ( ....وأحسن كما أحسن الله إليك... )[28 القصص 77] .
وأعلى مراتب الإحسان , الإحسان إلى المسيء , فقد روي عن الشعبي أنه قال : قال عيسى بن مريم عليه السلام : ( إنما الإحسان أن تحسن لمن أساء إليك , وليس الإحسان أن تحسن لمن أحسن إليك ).
لأن الإحسان إلى ذوي الأحقاد الدفينة يوصلنا إلى أعماق قلوبهم , ويجعلنا ننتزع جذور العداوة منها , ويؤيد هذا قوله تعالى : (( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ )) [فصلت/34، 35].
قال الحسن رضي الله عنه فيما أخرجه البيهقي من الآية الكريمة : (( أن الله يأمر بالعدل والإحسان .....)) : ( إن الله عز وجل جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة , فو الله ماترك العدل والإحسان شيئا من طاعة الله سبحانه وتعالى إلا جمعه , ولا تركت الفحشاء والمنكر والبغي شيئاً من معصية الله شيئاً إلا جمعته ) .
فما أعظمها من آية كريمة جمعت الخير كله مكافحة به الشر كلًّه .
لا تهمل العناية بصحتك مهما كانت وجهتك في الحياة، فإن كنت عاملاً أمدتك بالقوة، وإن كنت طالباً أعانتك على الدراسة، وإن كنت عالماً ساعدتك على نشر المعرفة، وإن كنت داعية دفعت عنك خطر الانقطاع، وإن كنت عابداً حبَّبت إليك السهر في نجوى الحبيب
Goals are funny things. They don't work unless you do