كتابٍ من صنعة متخصصٍ في علوم العربية عاش حياته لأجلها تأليفاً وتدريساً، ويدرك القارئ لهذا الكتاب تمكن المؤلف رحمه الله في هذا المجال وقدرته التي أعطت الكتاب ذوقاً فنياً عند صياغته له بمنهج مبسط واضح جامع. ::: المزيد
لا ينبغي لأحد أن يذكر الآخرين بما يكرهون ولو كان صادقاًَ في حديثه عنهم , فلا يحق له أن يشيع أخبار السوء عنهم لما في ذلك من أذى لهم , وإيغار لصدورهم وتفريق لشملهم . قال الحسن رضي الله عنه : ( الغيبة ثلاثة أوجه كلُّها في كتاب الله : الغيبة والإفك والبهتان , فأما الغيبة : فهي أن تقول في أخيك ماهو فيه , وأما الإفك :فأن تقول مابلغك عنه , وأما البهتان : فأن تقول فيه ما ليس فيه أي أن تختلق أنت رواية كاذبة عنه ) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( قيل يارسول الله ما الغيبة ؟ قال ذكرك أخاك بما يكره , فقيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال إن كان به ما تقول فقد اغتبته , وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهتَّه ) رواه الترمذي وصححه . ونرى أن القرآن الكريم يعرض مشهداً تتأذى منه كل النفوس حتى أشدها غلظة وجميع القلوب حتى أدناها رقة , إنه مشهد أكل الإنسان لحم أخيه ميتاً , ثم يبادر فيعلن نيابة عنهم أنهم كرهوا هذا العمل المثير للاشمئزاز , فكان عليهم أن يكرهوا الغيبة كراهيتهم لهذا العمل .
ومابالنا اليوم نأكل لحوم بعضنا البعض ونحن أحياء .
روى أبو داوود بإسناده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظافر من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم , قلت من هؤلاء ياجبريل ؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم ) .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن أبي سعد وجابر رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الغيبة أشد من الزنا . قالوا يارسول الله وكيف الغيبة أشد من الزنا ؟ قال : إن الرجل ليزني فيتوب ؛ فيتوب الله عليه , وإن صاحب الغيبة لايغفر له حتى يغفرها صاحبه ) .
كما نهى الله تعلى المؤمنون عن النميمة ؛ لكونها داء يفتن بسلامة المجتمع , ويمزق وحدته وتماسكه , وهي السعي بين الناس بالكلام , أي نقل كلام بعضهم إلى بعض على وجه الإفساد بينهم, وهي من كبائر الذنوب , ولو كان صادقاً فيما بنقله , كأن يَسْمَعَ شخصا يذم آخر في غيبته فينقل ما سمعه إليه دون زيادة . وقد شبَّهها النبي صلى الله عليه وسلم بالعَضْهِ وهي الذبيحة التي تقطُّع أعضاءها فتفَّرق عن بعضها بعضاً , وذلك لأنها تفرِّق بين الأحبَّة . فعن عبد الله رضي الله عنه قال أن حبيبنا محمد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا أنبئكم ما العَضْهُ هي النميمة القالَهُّ بين الناس ) رواه مسلم .
وعن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يدخل الجنة نمام ) رواه مسلم .
والهدف من كلِّ هذه الأوامر الإيجابية البنَّاءة والنواهي التربوية الهادفة , وهو تنقية المجتمع الإسلامي من شوائب الخسة والضَّعة وبناء العلاقات الاجتماعية على أسس الموَّدة والإخاء والنصيحة , وشغل الوقت الإيجابيات النافعة , وصون الأمة عن السلبيات المبدَّدة , فالمؤمن طاهر القلب أبداً عفيف اللسان , إذا رأى عورة لأخيه سترها , وإذا شاهد نقيصة أعرض عن نشرها , ونبهه سراً للإقلاع عنها , قال الشاعر :
لسانك لا تذكر به عورة إمرئفكلك عورات والناس أعين
وعينك إن أبدت إليك مَعَايباًفصنها وقل ياعين للناس أعين
وجملة القول : إن هذه الآيات الكريمة تقيم سياجاً في المجتمع الإسلامي الكريم , حول حُرُمات الأشخاص وكرامتهم وحرياتهم , وتعلِّم الناس كيف يُطهِّرون مشاعرهم وضمائرهم في أسلوب متفرِّد عجيب .
العابدون يحبون الصحبة مع الله تعالى بالعبادة ، والمصلحون يحبون الصحبة مع الناس بالنصيحة ، والعلماء يحبون صحبة الكتب بالاستفادة ، وعامة الناس يحبون الصحبة مع من يوافقهم في الأهواء والمنادمة .
Goals are funny things. They don't work unless you do