واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
بسم الله الرحمن الرحيم
آداب اجتماعية إسلامية
أدب الاستئذان (1)
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تتقون (27) فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم (28)} [النور: 27ـ28].
لقد جعل الله تعالى البيوت سكناً، يؤوب إليها الناس فتستريح أجسادهم، وتسكن أرواحهم، وتطمئن نفوسهم، ويأمنون فيها على عوراتهم وحرماتهم، لذلك جعل لها حرمة، ولدخولها آداباً لا يجوز انتهاكها، فلم يسمح للناس أن يفاجئ بعضهم بعضاً بدخولها من غير استئذان.
ولكي نستوعب أهمية التربية الإسلامية علينا أن نعود بالمخيلة إلى الزمن الذي نزلت فيه هذه الرسالة الكريمة، ونمط السلوك الذي كان عليه أهل ذلك الزمان فنحن لا ندرك أهمية هذه التعاليم ما لم نتخيل حياة العرب حينها من حيث بداوتهم وخشونتهم، وكيف أنهم تحولوا بفضل الإسلام إلى سادة مهذبين يحترمون الآخرين في حياتهم الخاصة والعامة، فلا يقتحمون عليهم بيوتهم، ولا يتطفلون عليها كما كانوا يفعلون قبل الإسلام، فقد كان أحدهم يدخل البيت ثم يقول: لقد دخلت أياً كانت الحالة التي يكون عليها صاحب الدار وأهله، وبذلك غدت البيوت حرماً آمناً، لا يستبيح أحد دخوله إلا بعلم أهله وإذنهم، وفي الوقت الذي يريدون وعلى الحالة التي يحبون أن يلقاهم الناس عليها، ومن هذا الأدب أن يستأذن المرء ثلاثاً، فإن أذن له دخل وإلا انصرف.
ومن أدب الاستئذان أن يفصح المرء عن اسمه حتى يعرفه صاحب البيت جيداً، وأن يستقبل الباب من أحد ركنيه، فقد روي عن عبد الله بن بشر رضي الله عنه أنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول: السلام عليكم السلام عليكم)) أخرجه البخاري.
وبعدُ فالقرآن الكريم منهاج حياة، يحفل بهذه الجزئية الاجتماعية ويمنحها هذه العناية؛ لأنه يعالج الحياة كلياً وجزئياً، لينسِّق بين أجزائها وبين غاياتها الكلية العليا، والتمسك بهذا الأدب أمر يجب الالتزام به مع عامة البيوت المسكونة، لكن مراعاته بدخول بيوت أهل العلم أدق وأبلغ، ذلك لأن بعض العلماء يفتحون أبوابهم لكل سائل ولكل صاحب حاجة، ولا يغلقونها في وجه أحد ممن يرد عليهم خوفاً من المسؤولية أمام الله عز وجل، ورغبة في التقرب إليه بقضاء حوائج خلقه، ولكن بعض الثقلاء من الناس يتهاونون في الالتزام بهذه الآداب، ويزهدون في هذا الحلم، بل ربما تعدوا ذلك إلى إطالة وقت جلوسهم حتى يحين وقت الطعام....
وقياساً على الاستئذان في دخول المنازل، حبذا لو راعينا عدم مقاطعة من يتحدثون مع بعضهم البعض وهم في خصوصية من الكلام، بدون شعور بأي وازع من الحسن أو المسؤولية الأدبية.
والحمد لله رب العالمين
كتبه: غازي صبحي آق بيق |