واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
بسم الله الرحمن الرحيم
تابع آيات قرآنية
الله جل جلاله (3)
الواحد ، الأحد ، الفرد ، الصمد
ولو كان معه – سبحانه – آلهة تدير هذا الكون ، لسعى كلُّ منهم لاتخاذ مراكز في السلطة الإلهية ، ولأدى ذلك إلى نشوب خلافات بينهم على النفوذ من شأنها أن تفسد الكون . وقد بيَّن الله عزَّ وجل هذه الحقيقة في قوله : ( قُل لو كان يقولون علواً كبيراً ) 17 الإسراء آية 42 – 43 .
وذكر العرش هنا يوحي بالارتفاع والتسامي والسيطرة على جميع القوى الفاعلة في هذا الكون والَّتي ظنها ضعاف العقول آلهة ، وما هي إلا خلق من مخلوقات الله تعالى ، تتجه إليه بفطرتها الكونية ، وتخضع لإرادته الَّتي تحكمها ، وتصرف شؤونها بالشكل الَّذي يتناسب مع ما سُخرِّت له .
والله تعالى هو الصَّمد الَّذي لا يُقضى أمر إلا بإذنه ، فله السيادة المطلقة على هذا الكون الرحيب ، الَّذي لا يعلم مداه ومحتواه إلا هو ، ولا ينازعه في هذه السيادة أحد ، فهو المقصود وحده بالدعوات ، المجيب لأصحاب الحاجات . وصديَّقه هذه تعني استغناءه الذاتي عمَّا سواه ، وافتقار جميع المخلوقات إليه ، في وجودها وبقائها وسائر أحوالها .
ومن تمام وحدانيته وصديَّقه عزَّ وجل أنه لم يتخذ ولداً ، لأن الولد لابدَّ أن يكون من جنس والده والله تعالى ليس كمثله شيء والولد لا يكون إلا لمن له زوجة والله تعالى منزَّه عن اتِّخاذ الزوجة ، والولد يكون لمن يخشى الموت والزوال فتكون الذِّرية استمراراً له وبقاءً لنوعه ، أما الله تعالى فهو باق لا يحول ولا يزول ، قال تعالى : ( بديع السموات والأرض أنى يكونُ له ولدٌ ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ) 6 الأنعام آية 101
وهو تعالى كذلك لم يولد ، لأن كلَّ مولود حادث والله عزَّ وجل قديم أزلي ، لا ولد له ولا سابق عليه ، فهو الأوَّل والآخر الَّذي لا ابتداء لوجوده ولا نهايته . قال تعالى : ( وقل الحمد لله الَّذي لم يتَّخذ ولداً ولم يكن له شريكٌ في المُلْكِ ولم يكن له وليٌّ من الذُّلِّ وكبره تكبيرا ) 17 الإسراء آية 111 .
من هنا ينبثق المنهج الكامل للحياة المثلى ، القائم على حقيقة وحدانية الله تعالى ، وما تشيعه هذه الحقيقة في النفس من تصوُّرات ومشاعر وأحاسيس وأفكار واتجاهات . إنه منهج عبادة الله وحده ، فلا توجُّه ولا ملاذ إلا إليه في حاكمتي الرغبة والرهبة ، في السرَّاء والضَّراء .
إنه منهج العمل ابتغاء لمرضاة الله تعالى والقرب منّه ، والتطلع للخواص من الحواجز المعوِّقة والشوائب المضللة عن طريقه ، والسبيل الَّذي يربط بين قلب المؤمن وبين خلق الله عز وجل برباط الحبِّ والأنس والتعاطف .
من أجل هذا كلِّه ، ركَّزت الدعوة الإسلامية منذ بدايتها على إقرار حقيقة التوحيد ، عقيدة في الجنان ، ومنهجاً للحياة ، وتفسيراً للوجود عميق الارتباط بسائر فعاليَّات الإنسان .
والحمد لله ربّ العالمين
غازي صبحي آق بيق / أبو غانم |