واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
بسم الله الرحمن الرحيم
أخلاق اجتماعية دعا إليها الإسلام
التثبت من الحقائق
قال الله تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) 49 الحجرات 6
الفاسق هو الإنسان الذي يخرج عن حدود طاعة الله تعالى إلى معصيته , وقد أمر تعالى في هذه الآية الكريمة أن توضع أفعاله وأقواله تحت المراقبة والمحاكمة , لأنه لا يؤمن جانبه ولا يركن إليه , فهو غير مبالٍ أصلاً بسلامة المجتمع أو أمنه أو ترابطه وإن الأخذ بكلامه على محمل الصدق والثقة ولا سيما فيما يتعلق بأغراض الناس ومصائرهم , قد يوقعنا في مساوئ التسرع والخطأ , ويحملنا على أن نرتكب ما نندم عليه حيث لا ينفع الندم .
إن الإنسان الراشد العاقل مسؤول عن كل كلمة يتفوه بها , وعن أي معنى يوحي به للآخرين , ومن هنا فقد تعين عليه أن يوثق ويثبِّته بدلائل من أرض الحقيقة والواقع وأن يحيط عقلة ولبَّه بالمراقبة الذاتية , فلا ينطق إلا خيراً ,ولا يلقي سمعه إلا إلى مايقبله العقل وتؤيده الحجج والدلائل , وهذا لا يُدرك إلا باستقصاء الحقائق . فكم من مقولة كاذبة أدت إلى تهلكه , وكم من خبر زائف أدى إلى نزاع وشجار , وكم من شائعة مغرضة أدت إلى فساد في الأرض , فما كل ما يسمع يقال , وما كل ما يسمع يصدق أو يؤخذ كقرينة إثبات , وخاصة فيما يتعلق بأغراض الناس وأخلاقهم وأمانتهم ومجمل سلوكهم . وقد سأل معاذ بن جبل رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وهل نحاسب على أقوالنا يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم ثكلتك أمك يامعاذ وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم ) رواه الإمام احمد والترمذي والنسائي وأبن ماجه .
لقد حمى الإسلام حرمات الناس وكرامتهم , فشدّد العقوبة على منتهكي الأعراض , ومثيري الفتن , وحذرنا في الوقت نفسه من الانسياق وراء تياراتهم , وتصديق كل مايقولون ويروجون, كي لا تنحول إلى أدوات إذاعية لهم , تنقل افتراءاتهم وتجنيهم على الناس , فإذا وقعت الواقعة وكثرت الضحايا , وانجلت الحقيقة , وتبين كذب ما كانوا يدّعون , شعرنا بالندم والألم لأننا كنا أدواة مشاركة في الجريمة ومسؤوليتنا في ذلك جسيمة , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( التثبت من الله والعجلة من الشيطان ) رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أنس بن مالك رضي الله عنه ومدلول الآية الكريمة عام , وهو يتضمن إلى التمحيص والتثبيت من خبر الناس عموماً , والفاسق خصوصاً لأنه مظنة الكذب وكلامه موضع الشك حتى يثبت صدقه . أما الصادق فيؤخذ بخبره , لأن الصدق هو الأصل في المجتمع المؤمن , والإسلام يترك الحياة تسير في مجراها الطبيعي , ويضع الضمانات والحوافز لصيانتها فقط , لا لتعطيلها . وهذا كله فيما لم يطلب الشارع دليلاً عليه , أما ما طلب الشارع دليلاً عليه كالاتهام بالزنا فلا بد من شهادة أربعة شهود عدول وإلا فهو مرفوض ولو كان من صادق أو صادقين أو ثلاثة فلا بد من أربعة .
والحمد لله رب العالمين
غازي صبحي آق بيق / أبو غانم
|