واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
بسم الله الرحمن الرحيم
أخلاق اجتماعية دعا إليها الإسلام
التثبت من الحقائق
قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) [17 الإسراء/36].
يعرض الإسلام قواعد لتربية الحواس المادَّية والروحية , لأنها إن لم تؤخذ بالعناية والعلم فإنها تخطئ في التمييز , وهذا ما يوقع صاحبها في دائرة الخطأ ثم المسؤولية والحساب . فالمرء مطالب بأن يتثبت من كل خبر يسمعه , ومن كلِّ ظاهرة أو حركة يراها قبل أن يحكم عليها .
وتلك هي مقولة الآية الكريمة التي تجعل الإنسان مسؤولاً , عن سمعه و بصره وفؤاده , أمام واهب السمع والبصر والفؤاد .
إن الانقياد الأعمى وراء مبدأ أو غاية ما، دون دراسة أو حسن تبصُّر , يعد خروجاً على قوانين الله , إذ لا يجوز تعطيل أدوات التمييز كالسمع والبصر التي ترشد الفؤاد . والفؤاد يعني العقل أو القلب الذَّي يتحسَّس الخطأ و الصواب إذا كان منوراً بالإيمان وذكر الله تعالى .
تلك كلمات قليلة تقيم منهاجاً للقلب والعقل , يشمل المنهج العلمي الذي عرفته البشرية حديثاً .
فالتثبت من كل خبر ومن كل ظاهرة ومن كل حركة , قبل الحكم عليها هو دعوة القرآن الكريم , ومنهج الإسلام الدقيق ومتى استقام القلب والعقل على المنهج , لم يعد هناك مجال للوهم والخرافة في عالم الفكر , ولم بيق مجال للظن والشبهة في عالم الحكم والقضاء والتعامل , ولم يبق مجال للأحكام السطحية والفروض الوهمية في عالم البحوث والتجارب والعلوم . فالأمانة العلمية التي يُشيدُ الناس بها اليوم , ليست سوى جانب من الأمانة العقلية والقلبية التي يعلنها القرآن الكريم , إنها أمانة الجوارح والحواس والقلب , أمانة يُسأل عنها صاحبها , ويرتعش الوجدان لثقلها كلَّما نطق اللسان بكلمة , أو روى رواية , أو أصدر حكماً على شخص أو أمر أو حادثة .
فظلمة السمع كامنة في جعل الأذن أداة للاستماع إلى الغيبة واللغو , والرفث والبهتان , والقذف واللهو والفواحش , أما نوره ففي جعلها أداة للاستماع إلى القرآن الكريم ,الأخبار الصادقة النافعة , والعلوم والحكم والمواعظ والنصيحة وقبول الحق . وظلمة البصر : في النظر إلى المحرمات , ونوره في النظر إلى القرآن الكريم والعلوم وآثار رحمة الله تعالى . وظلمة الفؤاد : في إضمار الحقد والحسد والعداوة , وحب الدنيا و الغفلة عن الله عزَّ وجل , والتعلق بما سواه سبحانه , ونوره في ذكر الله تبارك وتعالى والإنابة إليه وتصفية القلب من هذه الأوصاف , وتحليته بنقيضها من مكارم الأخلاق والعقائد السليمة .
أخرج الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أيما رجل أشاع على رجل مسلم بكلمة وهو منها بريء , كان حقاً على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار , حتى يأتي بنفاذ ما قال ) .
وأخرج أبو داوود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من حمى مؤمناً من منافق , بعث الله ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم , ومن قفا مؤمناً يريد شينه , حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال ).
فعلينا أن نصون حواسنا عن الفواحش , ونحرص على طهارتها , ولا نلطخها برجس المعصية لأننا مسؤولون عنها أمام محكمة رب العالمين .
والحمد لله رب العالمين
غازي صبحي آق بيق / أبو غانم |