واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
بسم الله الرحمن الرحيم
أخلاق اجتماعية دعا إليها الإسلام
التثبت من الحقائق 3
قال الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا )) [4النساء/94].
يجب على المؤمن التأني والتروي في تبيين حقائق الأمور لأن عدم الرؤية والتثبت قد يؤدي به إلى نتائج مفجعة .ويجب أن يقبل المؤمنون السلام ممن يحييهم بتحية الإسلام , وهم غير ملزمين بالتحري عن حقيقة إيمانه , ذلك لأنهم ليسو مكلفين بالكشف عن بواطن القلوب ومكنوناتها , فهم يحكمون بالظاهر فيما يتعلق بالعقيدة والإيمان والله يتولى السرائر.
ويجب على المؤمن أن يخلص النيّة في سعيه في سبيل الله ويقّدم المصلحة الأخروية على مصالحه الدنيوية مهما كانت مغرية وملحة , ويتحرى شرعيتها لكيلا يفوّت ما ادخره الله تعالى له من عظيم الأجر والثواب .
وهذا لا يمنعه من السعي الشريف , وراء المكاسب الدنيوية الحلال , ليوظفها في سبيل تحقيق السعادة لنفسه وأسرته ومجتمعه .
علماً بأنه لا تخلوا صفوف أتباع أي شريعة من الشرائع على مرِّ الزمان , من فئة متصلبة متطرفة , تنكر على الناس إيمانهم , وتطعن بسلامة عقيدتهم , حتى لو نطقت بالإيمان , وتقيّدوا بأحكام العبادات . فتراهم يُشهرون سلاح التكفير في وجه من يخالفهم من الناس دون ورع وبلا هوادة . والسبب الذي يدفعهم إلى ارتكاب هذه المخالفات والمغالطات هو فهمهم الخاطئ للدين وتعاليمه , أو أمراض نفسية مستحكمة فيهم , وشهوات مستعمرة في دخائلهم , لا يمكن أن يكون لها سلطان على المؤمن , الذي يعي دين الله تعالى جيداً ويطبق تعاليمه , , ويلتزم بالدعوة إلى وحدانيته عز وجل ونشر لواء العلم والسلام والإخاء .إن أمثال هؤلاء موجودين في كل زمان ومكان , والآية تدعوهم ليخففوا من غلوائهم فتقول لا تحسبوا أن كل من اشتبهتم في كونه كافراً هو كافر , إذ ربما يكون الإيمان قد طاف في سما قلبه وألمَّ بها إن لم يكن قد تمكن بعد .
فإذا انطلقتم للدفاع عن دين الله فتأنوا في اتهام من اشتبه عليكم أمره ولم تتبينو حاله بعد ولا تتعجلوا في محاربته إلا إذا تحقق لكم أنه يشن حرباً على دين الله ورسالته , فليس الهدف الأصلي من الجهاد قتل الأعداء والتخلص من أجسادهم , بل قتل العداوة في قلوبهم وتحويلهم إلى أخوة وأصدقاء .
فإذا استسلم أحدهم وعرض على المؤمن السلام فعليهم أن يقبلوه وأن يعرضوا الإيمان عليه بشكل ودي مقبول , وأن يقولوا له قولاً ليناً ؛ كما أمر الله تعالى موسى وهارون عليهما السلام حين أرسلهما إلى فرعون قائلاً : (( فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى )) [20 طه/44] .
فما هم بأكرم على الله تعالى من الأنبياء , ولا ذاك الإنسان بأعتى عند الله تعالى من فرعون .
وقد ضربت الآية الكريمة لهؤلاء القوم من المسلمين الذين كانوا يسندون على من يظنون فيه الكفر دون أن يتحققوا منه , مثلاً مستمداً من سلوكهم , حيث كانوا هم أنفسهم في بدء الدعوة يخفون إيمانهم عن قومهم خوفاً وتقية , حتى منَّ الله تعالى عليهم بإعزاز دينه , وأظهرهم على المشركين. لذلك يدعوهم لأن يقبلوا إيمانه , ويعملوا على زيادة صلاوته في قلبه ,وتقويه أواصره في صدره , والله عز وجل هو الذي يتولى السرائر وهو نعم المجازي ونعم المثبت, وهو أيضاً صاحب القرار في تمييز المؤمن من الكافر , ولا يحق لأحد من البشر أن يتطاول بأخذ حق الحكم على إيمان الناس , بل يتعامل مع الناس محسناً الظن بهم , والله تعالى أحق بالغيرة على دينه من جميع العباد .
والحمد لله رب العالمين
غازي صبحي آق بيق / أبو غانم |