واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
بسم الله الرحمن الرحيم
أخلاق إسلامية دعا إليها الإسلام
الكلمة الطيبة (1)
قال الله تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء (24) تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون (25) ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار (26) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء (27)} [إبراهيم: 24ـ27].
الكلمة الطيبة نفحة روحانية تصل ما بين القلوب وتربطها برباط الودِّ والمحبة والتآلف وهي تزهر في النفس لتتفتح بأجمل أزهار الخير والحب التي يعبق شذاها فوَّاحاً في كلِّ زمان ومكان.
أما الكلمة الخبيثة فهي معول للهدم والتمزيق والتفريق، وهي نتنة الرائحة، تصدر عن بؤر نفسية عفنة.
إن لشجرة الإيمان جذوراً ضاربة في أرض الهدى ومحبة الله تعالى،من تمسَّك بها فقد استمسك بالعروة الوثقى، واكتسب ثباتاً وتصحيحاً لا زيغ فيه ولا ضلال، ونسغ هذه الشجرة هو الكلمة الطيبة التي طالما قرَّبت بين المتباعدين،وأصلحت ما بين المتخاصمين، وجمعت شمل المتدابرين فأورثت صاحبها عزَّاً وحمداً بين الناس لا يمحى على مرِّ الأزمان؛ لذلك أمر الله سبحانه وتعالى عباده بأن يجمِّلوا ألسنتهم بالكلام الحسن، وضرب لهم مثلاً حيَّاً يصوِّر فيه قداسة الكلمة الطيبة فتكون الصورة أوضح والدلالة أبلغ والحكمة أنفع، فهي أشبه ما تكون بفاكهة لذيذة المذاق،كثيرة الفائدة، إنها تسعد قائلها وسامعها، فهي تخرج من القلب المزكّى، ويطلقها بأريجها الفوَّاح، إن الكلمة الطيِّبة ترجمة صادقة للشعور الطيب والإحساس النبيل، تحمل بين حروفها دفء الحب ولذة العطاء وسعادة التواصل الرفيع بين إنسان وإنسان فهي رَوْحٌ وريحان.
ولئن كانت جذور الشجرة الطيبة تتفرع في جوف الأرض، فإن الكلمة الطيبة تتفرع في شغاف القلب، وتلامس سويداءه لتخلف مكانها أمناً وسلاماً، بينما تصعد فروعها إلى سماء النفس فتجلوها، وإلى مرآة الوجدان فتصقلها، وتنشر على من حولها ظلال الإيمان الندية، لتشكل لبنة أساسية في صرح السعادة الإنسانية.
إن الكلام الطيب رحيق الأنبياء ولغة المؤمنين الصادقين، والمؤمن الحق هو من تخلَّق بخلق القرآن الكريم، فسما تفكيره وتهذبت مشاعره ، فانعكس هذا كله على كلامه وتصرفاته، فهو هادئ وزين موقور لا يلفظ إلا كلاماً موزوناً طاهراً نقياً، فهو إما أن يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر، وإما أن يصلح بين الناس، أو يعين على عمل نافع وقد وجَّه القرآن الكريم إلى ما ينبغي أن تكون عليه مجالس المؤمنين بقوله تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} [النساء: 104].
فالمؤمن قرآن متحرك، سلوكه سلوك الأتقياء وأقواله أقوال الأنبياء قدوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ملك قلوب الناس بكلامه الطيب وقوله اللَّيِّن، أما نبله الذي يستلهم منه كنوز الكلم ولآلئه، فهو القرآن الكريم الذي سبى القلوب ببيانه الأخَّاذ، وكلامه العذب السلسبيل.
والحمد لله رب العالمين
غازي صبحي آق بيق |