واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
بسم الله الرحمن الرحيم
أخلاق اجتماعية دعا إليها الإسلام
الكلمة الطيبة (2)
قال الله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوَّاً مبيناً} [الإسراء: 153].
صاحب الذوق السليم ينتقي من حديقة الورد أجملها، ومن الفواكه أطيبها، وكذلك هو المؤمن الراقي الحسن المهذب الجوارح يختار من الكلمات أطيبها، ولا يدع لسانه مطيَّة للشيطان يحرِّكه لينطق بما يرضيه في بثِّ الفتن والأحقاد بين قلوب المؤمنين، ليحيل ودَّهم عداوة ووحدتهم وتعاضدهم فرقة وضعفاً.
إن الشيطان يملك سهاماً عديدة للإيقاع بالمؤمن، فالنظرة سهم مسموم من سهامه، والكلمة الفاحشة سهم أشد سمَّاً وإيذاءً، يفجر الغضب ونيران الحقد في نفوس الناس ويوقع بينهم العداوة والبغضاء، لذلك يأمرنا الله تعالى بالتحكم في أقوالنا وأعمالنا لتكون مسددة صائبة بحيث لا نتفوَّه من القول إلا بأحسنه، ولا نأتي من الأعمال إلا بأفضلها، لنسدَّ بذلك على الشيطان مسالكه، ونمنعه من التغلغل بين صفوفنا كمؤمنين متحابين متوادين، كي لا يفسد علينا سعادتنا وطمأنتنا، فالشيطان الرجيم ينزع بين الأخوة، وينفث سمومه في صدورهم فتكون الكلمة الفظة السيئة من أولى آثار سمومه، ثم يتلوها الردُّ السيء، فإذا جوُّ الوفاق والود والمحبة ينقلب خلافاً يثمر جفوة فعداء، بينما تبقى الكلمة الطيبة بلسماً يداوي جراح القلوب، ويجمعها على الودِّ والتفاهم الكريم، ويمكننا أن نجد نظير هذه الآية في قوله تعالى: {وقولوا للناس حسناً} [البقرة: 83] فالعداوة مستحكمة بين الإنسان والشيطان لأنه لا يريد صلاح الناس أصلاً بل يريد هلاكهم، وقد أظهر عداوته لهم في كل مناسبة أتيحت له، كما حذرنا الله تعالى من العهد الذي أخذه الشيطان الرجيم على نفسه لإضلال بني آدم عندما قال: {فيما أغويتني لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم } [الأعراف: 16ـ17].
وقد أمرنا الله تعالى جلَّت حكمته بحسن الأدب ولين القول وجميل الفعال؛ لأنه جميل يحبُّ الجمال طيِّبٌ يحب الطِّيب، وما علينا في سبيل الفوز بمحبته إلا أن نسعى إلى ذلك بالتجمّل بأخلاق القرآن الكريم، والتحلي بشمائل المصطفى العدنان صلى الله عليه وسلم جسدا قولاً وعملاً، فقال تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم: 4]، وها هي السيدة عائشة رضي الله عنها تصفه قائلة: ((كان خلقه القرآن)).
والحمد لله رب العالمين
كتبه: غازي صبحي آق بيق |