وجهة نظر
>>
خواطر شبابية :
الاستقامة والوفاء بعهد الله عز وجل 2 :
قال الله تعالى {ومن المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه....} [الأحزاب: 23-24].
المؤمن الصادق هو الذي يكمل مسيرة العمل والخدمة والتضحية حتى نهايته، دون ملل أو كلل، متحملاً ما يعترضه من المتاعب والإيذاء بصبر جميل.
والمكافأة التي يرجوها من عمله هذا هي رضا الله تعالى عنه، فهي وحدها التي تبلغه طموحه وتروي ظمأه. وليست الجنة حافزة أو النار مفزعة فقط، لأن صدقه الحقيقي لا ينبغ من اهتمامات مادية يطلبها جسده أو يرفضها، بل من اشراقات روحية ومعنوية تستمد زخمها من الصلة بالله عز وجل.
ومن تعرَّض قلبه للإصابة بالنفاق أو صفة من صفاته، فأمره متروك إلى الله تعالى إما أن يعذبه، أو يتوب عليه إذا أفاق من سباته قبل فوات الأوان واستدرك ما فاته، فمغفرته تعالى قائمة ورحمته واسعة وهو أرحم الراحمين. ولا حاجة بنا أن نكون قضاة الرعب عليه.
في خضم معترك الحياة، وأثناء مواجهة الدعوية، أخذت الشخصية المؤمنة تتبلور بشكل جديد، ويوماً بعد يوم وحدثاً بعد حدث، كانت هذه الشخصية تنضج وتنمو وتتضح سماتها، وكانت الفئة المؤمنة التي تتكون من مجموع تلك الشخصيات تبرز إلى الوجود بمقوماتها الخاصة، وقيمها الأصلية، وطابعها المتميز. وكانت الأحداث تقسو على هذه الفئة الناشئة أحياناً، وتشتد قوستها فتبلغ درجة الفتنة، لكنها فتنة كأنها النار التي تصوغ الذهب، فهي تفصل بين الجوهر الأصيل والزبد الزائف، وتكشف عن حقائق النفوس ومعادنها، فلا تبقى خليطاً مجهول القيم.
لقد علم الله جل وعلا أن هذه الخليقة البشرية لا تصاغ صياغة سليمة، ولا تنضج نضجاً حقيقياً، ولا تصح ولا تستقيم على منهج إلا بذاك النوع من التربية التجريبية الواقعية، التي تحفر في القلوب وتنقش في الصدور وتأخذ من النفوس وتعطي في معترك الحياة وملتقى الأحداث.
لقد كانت مرحلة عجيبة حقاً تلك التي قضاها المسلمون أثناء حياة الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، مرحلة اتصل السماء بالأرض اتصالاً مباشراً ظاهراً، متبلوراً في أحداث وكلمات فكان كلُّ مؤمن يبيت وهو يشعر أن عين الله ترقبه، وأنَّ سمع الله يناله، وأنَّ كل كلمة منه وكل حركة، بل وكل خاطر قد يصبح مكشوفاً للناس ويتنزل في شأنه وأن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كل مؤمن يحسن الصلة القوية التي تربطه بربه، فإذا أصابه أمر أو واجهته معضلة انتظر أن تفتح أبواب السماء لينزل منها حل لمعضلته، أو فتوى في أمره أو قضاء في شأنه.
والنص القرآني هنا يغفل أسماء الأشخاص، ليصور نماذج البشر وأنماط الطباع، ويغفل تفصيلات الحوادث وجزئيات الوقائع، ليصور القيم الثابتة والسنن الباقية، التي لا تنتهي بانتهاء الحدث، ولا تنقطع بذهاب الأشخاص، بل تبقى قاعدة ومثلاً لكل جيل.
فالقرآن الكريم معد للعمل لا في وسط محدد ولا في تاريخ معين، بل هو معدٌّ للعمل دائماً كلما واجه المرء مثل هذا الحدث أو شبهه ما دامت الحياة وفي مختلف البينات، بالقوة نفسها التي عمل بها في حياة المجموعة الأولى.
والأحداث التي مر بها المسلمون الأوائل طبعتهم بطبائع مختلفة، لكنها إيجابية، وأولها وأهمها الوفاء بالعهد مع الله عز وجل.
فكان كل من يريد أن يرتقي سلم الإيمان يعاهد الله تعالى عهداً لا ينكث فيه ولا يتراجع عنه، على أن يسخر إمكاناته الجسدية والفكرية والروحية جميعها، وكذلك وقته كله للعمل البناء الدائم والمستمر لما فيه سعادة الإنسانية، وبما يرضى الله تعالى عنه، وقد صدقوا بعهدهم، هم ومن تعهم بإحسان إلى يوم الدين.
غازي صبحي آق بيق
أبو غانم
هدية كتاب آيات قرآنية لصاحب أفضل تعليق .
|