وجهة نظر
>>
خواطر شبابية :
الاستقامة والوفاء بعهد الله عز وجل 4 :
قال الله تعالى {وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه...} [الزمر: 8-9].
هذه صورة معبرة عن الإنسان الذي تُلّمُ به مصيبة أو يقع في ضائقة، فيطلب المساعدة الإلهية بإلحاح، حتى إذا تحققت له نسي أو تناسى ما كان به بالأمس من ابتلاء وبلية، وكأن شيئاً لم يكن، فيعرض عن حضرة الله، ويتبع آلهة يبتدعها لنفسه، وأبغض هذه الآلهة المزيفة (الهوى) ولكن مهما طال الزمن بهذا الإنسان وجرب به الريح فإن مصير سفينته إلى براثن الأعاصير والعذاب في الدنية والآخرة.
إن للإنسان طاقة محدودة على تحمل الألم الناجم عن المصائب أو الأمراض التي تصيب جسده، أو الناتج عن النكبات التي يتعرض لها في ماله أو في أهله. وفي جميع الأحوال فإن هذه الطاقة وشدة تملحها تختلف من شخص لآخر. وعندما يزيد الألم تتجه قوى المرء الفكرية والروحية إلى حضرة الله تطلب منه العون والمدد، فتكون هذه المحنة امتحاناً، فهو إما أن يتعرف الحقيقة فيدرك حاجته الدائمة إلى ربه، أو أن يتحول عن خالقه بمجرد زوال الألم وكشف الغمة عنه، وكأن هذه العلاقة آنية مرتبطة بالمصالح المؤقتة، والحاجة الطارئة، وبذلك يفشل وتزل قدمه.
إن صلة المؤمن بخالقه صلة مستقيمة مرتبطة مع أنفاسه ونبضات قلبه، وفي السراء والضراء، في العسر واليسر، صلة تعطيه كوابح تضبط عواطفه، فلا طغيان في حال الفرح، ولا يأس في حال الحزن، بل اتزان وسكينة ورضا بقدر الله تعالى خيره وشره.
وهذه الصلة لا يمكن أن تقوى وتتمتن إلا بالكثير من التعبد والخشوع والتقرب من الله عز وجل، وخاصة في جوف الله حين تهدأ حركة الأحياء، وترتاح الأعصاب، وتحن القلوب، وتنسكب العبرات. فإذا قويت هذه الصلة، تذكر المؤمن خالقه في جميع الأحوال، قال النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ((تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)) رواه الترمذي والحاكم بإسناد صحيح، وقال الإمام الحسين رضي الله عنه: ((من نسي الحق عند العوافي لم يحب الله دعاءه عند المحن والإضطرار)).
إن الجحود لا يقف بالضال عند نسيان فضل ربه فحسب، بل يمتد به حتى يجعل لربه أنداداً، إما آلهة يعبدها كما كان في جاهليته الأولى، وإما رموزاً وأشخاصاً وأوضاعاً يجعلها في نفسه شريكة مع الله، فإذا هو يعبد شهواته وميوله ومطامعه ومخاوفه وماله، ويتعلق بأولاده وأهله كما يتعلق بالله أو أشد تعلقاً، فيطيعهم بمعصية الله ويرضيهم بسخطه، وتكون العاقبة هي الانحراف أكثر فأكثر عن سبيل الله.
فسبيل الله واحد لا يتعدد، وإفراده بالعبادة والتوجه والحب هو وحده الطريق إليه، والعقيدة في الله لا تحتمل معه شريكاً في القلب، كائناً من كان، لا مال ولا ولد ولا صديق ولا قريب، فأيما مشاركة قامت في القلب وأمثاله فهي من قيل اتخاذ أنداد مع الله وضلال عن سبيله.
أما الإنسان الواعي المتصل بالله تعالى اتصالاً سوياً مستقيماً، فهو قانت لربه مطيع له، متوجه إليه ساجد على أعتابه، قائم بين يديه، حذرٌ من عقابه، راج لرحمته. فالقانت هو المطيع، وهو الخاشع وهو القائم وهو الداعي إلى الله تعالى. وهنا يعمل الميزان الإلهي في شد أهل العلم والفضل إلى حضرة الله، ونبذ أهل الجهل، يتهاوون في ظلمات بعضها فوق بعض. وتبقى المنارة الإلهية تنير الطريق لأصحاب القلوب والعقول والحكمة والفضل، لتستمر رسالة التوحيد والحب الإلهي على مدى العصور والأزمان.
* هدية كتاب آيات قرآنية للتعليق الأجمل .
غازي صبحي آق بيق
أبو غانم |