وجهة نظر
>>
خواطر شبابية :
التربية الروحية .. الإستقامة والوفاء 5
قال تعالى {هو الذي يسيركم في البر والبحر....} [يونس: 22-23].
لا يمكن لسفينة الحياة أن تمضي في مسيرتها ما لم تعترضها الرياح الهادرة، وتحيط بها الأمواج العاصفة، ومهما كانت مهارة الربان وقدراته الفنية، فإن أعاصير القدر أشد هولاً من أن يجتنبها بإمكاناته الفردية، لذلك كان لابد له من المساعدة الإلهية تمده بالعون، وتنقذه من براثن الخوف والذعر.
إن كريم الصفات، وجميل الأخلاق، لا ينسى فضل الله تعالى حين يأتيه، بل يحمده ويشكره، ويرعى مخلوقاته بالعطف والرعاية، أما لئيم النفس خبيث الصفات، فإنه سرعان ما ينسى فضل الله عز وجل عليه ومدده وقت حاجته، فيتابع مسيرة الحياة، بالظلم والبغي والاعتداء على حقوق الناس. وهذا العنت والتسلط سيرتد عليه بالويل والثبور، إن عاجلاً أو في يوم تنشر فيه صحائف الأعمال، ويلقى المرء كتاباً لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها، ويفزع المجرم من سوء عمله، ويتمنى لو أنه كان تراباً.
وفي سفينة الحياة يذكرنا الله جل جلاله بسيرنا في البر والبحر، ونحن مندفعون وراء تيار الحياة الصاخب، لكي نتوقف قليلاً، ونلتقط أنفاسنا ولو للحظة نقلب فيها كتاب الكون المفتوح، نقرأ صفحاته الزاخرة، ونأخذ منه العبر التي تنفعنا في رحلتنا القصيرة على الأرض.
فالبحر بسعته ومهابته، بهوله ورعبه، بهدوئه ووداعته، ترسمها لنا ريشة مبدعة لا تستخدم من أدوات الرسم إلى الكلمة المعبرة، وما أفقرها من أداة إن لم تكن صادرة عن ذات قادرة تخضع ما في الوجود لسلطانها. وتبدأ الريشة بالرسم فترصد حياة الإنسان الوادعة الهانئة، فتبدو كمراكب في البحر تتهاوى بزهوٍ وخيلاء، وريح طيبة تحرك السفن بوداعة ورفق، وعلى حين غرة تقطب السماء جبينها، وتسري رعدة على سطح البحر، وتهب الريح الهوجاء، ويعلو الموج، وتتقلقل السفينة، ويحدق الموت بمن عليها فتراهم يترنحون وكأنهم سكارى وما هم بسكارى، ولكنه الخطب الشديد والفرق الوشيك. عندها، وبشكل فطري لا إرادي، تتجه أنظار القوم نحو السماء، ويدركون أن الله جل جلاله وحده هو المنقذ، فترتفع الأصوات بالدعاء والاستغاثة، مصطدمة بعويل الريح وعاتي الأمواج، ويخلع القلب حجاب الغفلة، فيتخذ عهداً عند الله سبحانه وتعالى أن يثوب إليه ويؤوب، وأن يحول اتجاهه من الضلال إلى الهدي، ومن الغي إلى الرشد، ويأتي الأمر إلى الريح من الله الرحيم بعباده فتهدأ، وإلى البحر فيسكن، ويسكن معه كل شيء بما في ذلك القلوب التي تسترد طمأنينتها.
وتواصل السفينة رحلتها وكأن شيئاً لم يحدث، حتى إذا وصلت إلى شاطئ الأمان، ولامست أقدام الناس الأرض اليابسةـ تحرك وحش الغفلة والأنانية في أعماقهم، فإذا هم ينسون أو يتناسون ما قطعوه من عهد لله عز وجل، فيعيثون في الأرض فساداً، ينشرون الجهل والجاهلية، ويحولون فراديس العلم إلى مقابر للعقل والقلب والهداية، ويعتدون على حقوق الله وحقوق العباد، ويبقى الظلم منقوشاً في صحائفهم بأحرف سوداء، وسيحصدون سوء ما زرعوا، ويجنون نتائج الخراب الذي صنعوه، إنها الغفلة تحيق بالقلوب اللاهية، وترمي بظلالها الثقيلة السوداء على العقول والأبصار والله جل جلاله نسأل أن يحفنا باللطف والرحمة، ليثبت أقدامنا على صراطه المستقيم، وينور قلوبنا بشرعه القويم، حتى نبقى عابدين مخلصين له الدين، ولحلاوة محبته ذائقين، ولساعات أعمارنا بطاعته مالئين، ولفرص السعادة الحقيقية متفهمين آمين يا رب العالمين.
* هدية كتاب آيات قرآنية للتعليق الأجمل .
غازي صبحي آق بيق
أبو غانم |