ثلاث قواعد تجعلك أباً ناجحاً
ليس هناك من ريب في أن كل أب يحب أبناءه.. فلذات كبده..
ويبذل في سبيل إسعادهم كل غال ورخيص ولا يتوانى أن يبذل كل ما في وسعه بل أكثر مما في إمكانه في الكثير من الأحيان، ويربي أبناءه بما عنده من معارف وخبرات، وسواء كانت هذه الطريقة المتبعة صحيحة أم خاطئة أم تتأرجح بين الاثنتين إلا أنها في كل الأحيان بدافع الحب للأبناء، فكل سلوك دوما وراءه نية إيجابية، وكل فعل يقوم به الأب تجاه أبنائه مهما كانت الطريقة هو بدافع الحب الخالص، لكن يبقى السؤال الأكثر أهمية: كيف نعبر عن هذا الحب؟
فالكثير من الآباء يعتقدون أن الكرم المادي مع الأبناء وتوفير متطلبات الحياة الكريمة لهم من تعليم مناسب ومأكل وملبس طيبين فقط هو المطلوب، وبذلك يكونون قد ادوا رسالتهم السامية مع أبنائهم.
لن ننكر بدورنا هذا الشعور لأن طبيعة الرجل تميل إلى برهنة مشاعره بالأفعال أكثر من الأقوال، وهذا شيء ملحوظ بقوة في العلاقة الزوجية إضافة إلى طبيعة هذا الزمان المتلاحقة والاهتمام بالمادة والشكليات، مما يدفع الأب إلى مناطحة الحياة بأقصى قوته من أجل رفاهيتهم ظناً منه أن هذا أعظم ما يستطيع أن يقدم لفلذات كبده، ولكننا هنا نقول إن الأب لا يقتصر دوره أبداً على هذا النوع من توفير المتطلبات المادية لأبنائه على رغم أن الدراسات تثبت أن " العائل السخي" يلقى قبولا من غيره، ولكننا نتحدث الآن عن المعنى الحقيقي والمتكامل للأبوة، والذي لابد منه في هذا الزمان الذي أصبح له أشد الأثر على أبنائنا بمؤثراته المتباينة.
عزيزي الأب العظيم الذي تسعى لإسعاد أبنائك من كل ناحية.. أرجو أن تتذكر أن الحياة ليست مالا فقط، فالإنسان جسد مادي له متطلباته، ولكن لا تنس أيضاً أن هذا الجسد ليس له قيمة من دون الروح التي لها متطلباتها، بل إنها الجانب الرئيس في الحقيقة.
هل سئمت أيها الوالد الكريم من عناد أبنائك أو من أنك قليل الحيلة معهم؟
ستحل كل هذه المشكلات بمفاتيح ثلاثة الآن بإذن الله وإلى الأبد، بشرط واحد وهو تطبيق البنود القادمة وأعدك أن علاقتك بأبنائك ستكون على أحسن ما يكون وإلى الأبد بإذن الله وستزيد أواصر المحبة بينكم.
الآن سنتناول معاً ثلاثاً من أعظم الحقوق التي ينبغي مراعاتها في التعامل مع الأبناء وسيكون لها مفعول السحر في نفوس الأبناء:
الحق الأول: حق الإنصات لهم:
مما يثير عجب الكثيرين أنه حينما يتدربون أو يقرؤون في فن الاتصال الفعال وبدلا من أن يكون أول ما يتعلموه هو كيفية الكلام وفنون المحادثات يكون أول ما يتعلموه هو " فن الإنصات"!
ولا يعرف الكثيرون أن هذا الإنصات هو البوابة الرئيسية لفهم العالم من حولك، فكم من أب يشكو من عناد أبنائه أو عدم تقبلهم لأوامره، فإن كان هذا الأب يود منهم فعلا أن يستمعوا إليه بسلاسة فيجب عليه أن ينصت لهم أولا، لأن للإنصات فوائد عديدة نذكر منها:
- يتيح لنفسك أن تفهم ما يريده الطرف الآخر.
- يشعره بالاهتمام واحترام آرائه.
- يسمح لطاقته الكلامية أن تعبر عن مشاعره وأحاسيسه وأفكاره وبذلك لم تكبته لأن الكلام طاقة وكبتها ليس من مصلحة أحد من أطراف الاتصال الناجح.
- يمكنك من معرفة الطريقة التي يفكر بها الآخر.
وبالتالي وبعد ذلك كله تستطيع وضع تصور لطريقة الرد المثلى على الطرف الآخر.
والطرف الآخر هنا أيها الأب الكريم هو أغلى ما لديك.. أبناؤك وقرة عينك..
أتقن هذا الفن وسترى اختلافا عجيبا، فإن هذا الفن وإتقان الإنصات لأبنائك يمكنهم من تكوين علاقة صادقة وارتياح بيني في العلاقة الأسرية، إضافة إلى أنك سترى أن ردود أفعالك أصبحت محسوبة ومدروسة وتعبر فعلا عن مكنون حبك لأبنائك.
جرب هذا السحر وستكون أباً متميزاً ورائعاً وستحصل على العلاقة التي تريدها مع أبنائك.
الرسول صلى الله عليه وسلم ظل يستمع للسيدة عائشة وهي تقص عليه حكاية أبو زرع الشهيرة، وعلى رغم طول الحكاية، وعلى رغم أنه أعظم مخلوق في العالم وراءه من المشاغل أمر أمة بأكملها، إلا أنه حافظ على إنصاته لها ليس هذا فحسب، بل أدرك بفطنته أنها تريد شيئاً من حبه لها فقال لها صلى الله عليه وسلم: " كنت لك كأبي زرع لأم زرع إلا أنه طلقها وإني لا أطلقك".
الحق الثاني: حق الدعم المعنوي والتشجيع :
يقول المعلم الأكبر والنبي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم: ( الكلمة الطيبة صدقة)، ويقول الله تعالى: (( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون)) ابراهيم: 24-25.
وعلى النقيض يسترسل المولى عز وجل قائلاً: (( ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار )).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم مثلنا الأعلى في رمي كلمات التشجيع:
ارم سعدا فداك أبي وأمي..
استعن بالله ولا تعجز..
والأبناء أحوج ما يكون لكلمات الثناء والتشجيع، ولكن من دون مبالغات تؤدي لتدليلهم وتذهب بالغاية المطلوبة، لأن النفس البشرية تتوق إلى كلمات الثناء وبث الحماسة والمدح الجميل، واحذر أيها الأب الطيب الكلام الخبيث وكلمات التحقير والازدراء لأن الله تعالى حذر منها في الآية التي ذكرناها لأنه على الأقل قد يحدث أحد هذه الأمور وأصغرها أمر من الحنظل:
الكلمة الخبيثة أو المثبطة تنزع المحبة من القلوب، ولاحظ التعبير القرآني المعجز في كلمة "اجتثت" أي اقتلعت الشجرة.. شجرة الحب والمودة.
هذه الكلمة ربما تترك مردودا سلبيا في شخصية الابن بعد ذلك مما يؤثر على حياته سلبا، فهذا شاب في الثلاثينات يخشى الزواج أو الإقدام على أي مشروع ناجح لأن أباه للأسف كان يقول له دوما: " أنت فاشل ولن تنفع في شيء أبداً". ربما تكون كلمات لا نلقي لها بالا سبباً في تكريس الابن حياته فقط من أجل إثبات العكس لأبيه بأي طريقة مما يدمر توازن حياته.
الحق الثالث: حق مشاركتهم طموحاتهم وأحلامهم:
كان الآباء قديما يشركون أبناءهم معهم في أعمالهم كالذهاب إلى الحقل والزراعة والرعي وما إلى ذلك، أما الآن ومع تطور الأمور فتستطيع الاشتراك مع أبنائك في أعمالهم وهواياتهم واهتماماتهم.. العب معهم فهذا ليس عيبا أو حراماً فعن عبدالله بن الحارث قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف عبدالله وعبيد الله وكثيرا من بنى العباس ثم يقول من سبق إلى فله كذا وكذا قال فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلزمهم.
اشترك معهم في هواياتهم فعن أنس بن مالك أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير يا أبا عمير ما فعل النغير (يعني طيرا كان يلعب به).
أنفق على اهتماماته وطموحاته ولا تكتف فقط بالمشاركة بالمال فهذا أقل ما يريده الابن منك وإنما افعل كما كان قدوتنا صلى الله عليه وسلم يفعل.. شارك بالفعل نفسه.. تذكر بالفعل نفسه.
فكر مع ابنك في مشاكله وخذ رأيه في أموره وحتى بعض أمورك.. أشعره أنه رجل منذ صغره وخصوصاً في فترة المراهقة وما بعدها..
ختاما.. أيها الأب العظيم.. أمتنا في حاجة إلى عظماء يعيدونها إلى ما كانت عليه من ذروة المجد، وأبناؤك في هذا الزمان هم حجر الزاوية في هذا الأمر، فلا تبخل عليهم بأن تتعب قليلا لاكتساب بعض المعارف التي تفيدك في تربيتهم مع المثابرة على التطبيق العملي لهذه المهارات.
الابن مشروع عبقرية.. ونحن الذين نصقل عبقريته أو نجهضها.
فلا تكن أيها الأب متواطئاً مع مؤثرات هذا الزمان الصعب ضد فلذات كبدك وأنت لا تدري..
وفقك الله أيها الوالد المبارك وأقر عينك بأبنائك..
(ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ).
منقول