واحة الفكر والثقافة
>>
مقالات
دعوية :
رعاية الإسلام للروابط الإجتماعية :
بر الوالدين 1
قال تعالى : ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا )) [17- الإسراء/23-25] .
وقال أيضاً : ((وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ............. )) [46- الأحقاف/15، 16] .
تكمن العبادة الحقيقية لله تعالى في التوجه إليه – تعالى- جسداً وروحاً , قلباً و تفكيراً و قالباً , إنها تتجلى في السير على منهجه وتعاليمه , ومن أهم هذه التعاليم أن نحسن صحبتنا لوالدينا , وأن نعاملهم بأحسن ما تكون عليه الأخلاق من حلو الكلام وكريم الرعاية والعناية , وذلك بالتذلل لهما , مع الرحمة بهما و العطف عليهما والإحسان إليهما ولا سيَّما وأن برَّنا بوالدينا ينعكس علينا ببرِّ أبنائنا و العكس بالعكس فإن ثمرة عقوقنا لوالدينا هي عقوق أولادنا .
إن معاملة الوالدين زرع ولابد لكلِّ زرع أن يثمر ثمره , فالحلو يثمر حلواً , والمرُّ يثمر مرَّاً , وكما تدين تدان وبالكيل الذي تكيل تكتال . ونظراً للتضحية العظيمة التي يقدمها الوالدان لأبنائهما فقد أمرا الله ببرهما وقرن بين عبادته والإحسان إليهما , وجعل أمره حكماً مبرماً مقضياً , حثاً على هذا البر وإعلاءً لشأنه ؛ أخرج الحاكم وصححه البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( رضا الله في رضا الوالدين , وسخط الله في سخط الوالدين ) , وقال صلى الله عليه و سلم : ( ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن : دعوة المظلوم , ودعوة المسافر , ودعوة الوالد لولده ) رواه أبو داوود , وأبن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنهم .
إن القرآن الكريم يستثير مشاعر العطف و الرحمة في وجدان الأبناء تجاه أمَّهاتهم وآبائهم , ذلك أن الحياة في خضمِّ اندفاعها توجِّه اهتمامهم نحو الأمام إلى الذرية , وإلى الناشئة الجديدة وقلَّما نتوجه اهتمامهم إلى الوراء إلى الجيل الذاهب المولي , بينما يندفع الوالدان بالفطرة إلى رعاية الأولاد وإلى التضحية من أجلهم بكلِّ شيء حتى بالذات . فكما تمتص النبتة الخضراء كلَّ غذاء الحبة فإذا هي خاوية , فكذلك شأن الأولاد يمتصون :كلَّ جهد , وكلَّ عافية , وكل اهتمام من الوالدين , إلى أن يدخلا طور الشيخوخة التي تسير بهم نحو الضعف و الموت , بينما يدخل الأولاد طور الشباب الذي يسير بهم نحو النماء و القوة .
إن الله تعالى يريد أن نتوجه إليه وحده بالعبادة بكل ذرَّات وجودنا وأصدق عواطفنا ومشاعرنا والنتاج العملي لصلتنا بحضرة الله تعالى يتجلى بالرحمة والعطف على الناس جميعاً وخاصَّة وقبل كل شيء بالوالدين , ولا سيَّما عند بلوغهما مرحلة الكبر بما تحمله من الهون و الضعف العقلي و الجسدي . وطالما أن الإنسان يشعر عادة بالقوة والجبروت أمام الضعفاء والمسنين , لذا كان لابد له من إذلال نفسه على قدمي والديه وتأمين راحتهما , متذاكراً كم تعبت أمه في رعايته صغيراً , وكم بذل والده من العناية به والإهتمام حتى غدا يافعاً ناضجاً , علماً بأن في برِّ الوالدين كفارات لكثير من الذنوب ومغفرة تشمل معظم السيئات .
يتبع..
والحمد لله رب العالمين
غازي صبحي آق بيق / أبو غانم
|