واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
تابع التربية الروحية في الإسلام
التوبة وسعة المغفرة الإلهية : 8
قال الله تعالى:(ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابَّة ولكن يؤخِّرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) "النحل آية61"
يختلف قانون العقوبات السماوي عن القانون الوضعي البشري بشمولَّيته لحياة الإنسان الخاصة والعامَّة , و حتى بشموله لتفكيره ونواياه , وكلِّ كلمة تنبس بها شفتاه, كما أنه يختلف في توقيته لتنفيذ العقوبة.
والإسلام لا يتهاون تجاه من يخطئ بحق غيره, بل لقد شرع قوانين مشدَّدة رادعة بحق المخالفين من أجل بثِّ الطمأنينة داخل المجتمع الإنساني؛ فلا سرقة ولا خمرة ,ولا زنا ولا ربا , ولا اعتداء بالقتل أو سواه .
وكذلك حمى المحصنات من القذف, و الأعراض من الهتك , ومنع شهادة الزور , وحذَّر من التلاعب بأرزاق العباد , أو احتكارها , أو الغشِّ فيها , وحثَّ على رعاية الفقير وعيادة المريض, ومساعدة الغريب وابن السبيل .
ولكن هل استجاب الناس جميعاً لتعاليم الله تعالى ؟.
إن ما يرتكبه الناس من كفر بأنعم الله عز وجل , ومن شرِّ وفساد في الأرض , لهو نتيجة انحرافهم عن تعاليمه الكريمة , ولو عجَّل بمؤاخذتهم لأهلكهم جميعاً.
ولكنَّ الله تعالى لا يؤاخذ المقصرين إلا بعد أن يعطيهم فسحة من الوقت لعلَّهم يعودون إلى جادَّة الصواب ,ويعوضون ما فاتهم ويصلحون ما أفسدوا ؛ فإن أصرُّوا على الذنوب واستكبروا أوقع بهم عقابه في الزمان والمكان اللَّذين يختارهما وهو العليم الحكيم .
والتَّأخير يكون على أنواع : فقد يؤخِّرهم أفراداً إلى أجلهم الفردي كلٌّ بحسب تماديه وفحشه , وقد يؤخرهم جماعات إلى أجلهم في الخلافة الموكولة إليهم إلى أن يسلِّموها إلى جيل آخر .
وبذا يفسح لهم الفرصة علَّهم يحسنون صنعاً .
وفي الآية الكريمة إشارة إلى أنه ما من إنسان إلاَّ ويصدر منه ما يستوجب المؤاخذة,ولكن الله تعالى بفضله ورحمته يمهل ثم يؤاخذ من كان مصراً على عناده وتقصيره ,ويغفو عمَّن تاب وأناب , تأكيداً لحلمه وسعة صبره فإن رحمته قد سبقت غضبه ,وهو يمهل العبد لكنَّه لا يهمله ؛ بل يأخذه بالعذاب في أجله المحدَّد , فلكلِّ أمَّة أجل ولكل أجل كتاب .
والحمد لله ربِّ العالمين
غازي صبحي آق بيق /أبو غانم |