واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
تابع التربية الروحية في الإسلام
التوبة وسعة المغفرة الإلهية 10
قال الله تعالى :(ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً )"النساء آية147"
قد يكون مفهوم العذاب بالنسبة لبعض المنحرفين يحمل معنى اللَّذة بتعذيب الآخرين إرضاءً لشهوة الانتقام , أو بسبب عقدة نفسية متأصلة في نفوسهم المريضة , أما مفهوم التعذيب عند الله عزَّ وجل فهو غير ذلك تماماً , فحاشا لله سبحانه وتعالى أن يعذب الخلائق سروراً ومتعة بعذابهم ,لأن عقابه للمذنبين في كثير من الأحوال رحمة بهم , ومعالجة روحية تخلِّص نفوسهم مما علق بها من أدران الذنوب ,وتوصلها في النهاية إلى الشفاء والراحة ويعتقد بعض الخلق خطأ أن تعذيب النفس وإرهاقها هو أحد الأسباب المقرِّبة إلى الله عزَّ وجل , إلا أن هذا مرفوض في شرائع الله تعالى ,لأنها مبنية أساساً على موازين ثابتة من الحبِّ والعقلانية .
فقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان واهباً إياه السمع والبصر , العقل والقلب , ليستمتع بما في الوجود , وليشكر المنعم على نعمائه .
ولكن الإنسان قد يضيع في زحمة الحياة , ويغرق في النعيم المادي , وينسى النعيم الروحي الذي لا يتحقَّق إلا بالاتصال بربِّه خالقه ومولاه ,وقد يؤدي هذا النسيان للتردِّي في حمأة الرذيلة فيكفر بنعم الله تعالى , ويسيء إلى نفسه وإلى مخلوقاته عزَّ وجل..من هنا رتب الله تعالى عقوبات رادعة لأمثال هؤلاء المنحرفين المتهاونين , بهدف إحقاق الحقِّ , وإقامة ميزان العدل في الأرض ؛ لا رغبةً في الانتقام أو أخذاً بثأر ,أو تشفِّياً ,أو سعياً لمغنم أو دفعاً لمغرم ,تنزَّه الله تعالى عن ذلك علوَّاً كبيراً.
بل هو العقاب الزاجر والرادع عن المعاصي وأكل الحقوق, ولو أن الحياة جرت من غير هذا الرادع , لرأينا المجتمع الإنساني أشبه بالغابة ؛ يهتك قويُّها حرمة ضعيفها ,لذا كان لابدَّ من وجود العقاب على الإساءة والجحود ,مقابل الثواب على الإحسان والشكر .
فليس سواء من شكر نعم الله ووظف حواسَّه وقدراته في سبيل عبادته وخدمة مخلوقاته , ومن كفر وجحد وعطَّل هذه النعم وأساء استعمالها .
فالشكر هو إدراك قيمة هذه النعم واستثمارها مع التعبير عن الامتنان لذلك, والكفر هو الجهل بها وتبديدها وإظهار الجحود والنكران لها.
وقد ربطت الآية الكريمة الشكر مع الإيمان لأنه قرينه الملازم له ,والمؤمن الحقيقي من يشكر الله تعالى على نعمه ويشكر العباد على إحسانهم إليه , وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :(من لا يشكر الناس لم يشكر الله) رواه الترمذي وأبو داود , والكافر يجحد نعم الله تعالى وإحسان الناس إليه .
ولا يقتصر واجب الشكر على الضعيف دون القوي, أو الفقير دون الغني , بل النَّاس كلهم في ذلك سواء , والله تعالى يشكر لهم إيمانهم وإخلاصهم وحسن عبادتهم وحسن إتباعهم لتعاليمه وهو القوي العزيز .
والحمد لله ربِّ العالمين
صبحي غازي آق بيق/أبو غانم
|