واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
تابع التربية الأخلاقية في الإسلام :
التواضع 2
قال اله تعالى : ((وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا )) [الإسراء/37، 38]
حين يخلو قلب الإنسان من الشعور بالخالق المعطي , تأخذه الخيلاء بما يبلغه من ثراء أو سلطان أو جمال , ولو أيقن أن ما هو عليه هو فضل من الله ومما منحه إياه من نِعم , لحدَّ من كبريائه وخفف من غلوائه , ومشى على الأرض هونا و تواضعا ً , والتواضع أدب مع الله وأدب مع الناس , و هو أجمل الصفات الَّتي يمكن أن يتحلى بها الإنسان لأنه مرآت صافية تكشف كوامن النفس الطيبة .
والله تعالى يكره صفتي التكبُّر و الاستعلاء , اللَّذَين ترتكزان على الأنانية المفرطة و حبَّ الذات , لأنهما تسيئان للمجتمع الإنساني المبني على التآلف والتحابب و التعاون , والذي لا مكان فيه للغطرسة والعجرفة .
وحين يمشي المرء مرحاً عند شعوره بالتفوق على الآخرين , ناسباً في ذلك الفضل لنفسه , ناسياً من أعطاه القوة على التَّميز و التفوق , وهذا ما يوقعه في العجب و الكبرياء و المفاخرة , و يعيق جهوده عن العطاء الإيجابي المثمر , لذا يجابه القرآن الكريم هذا المتطاول المختال بحقيقة ضعفه و عجزه وضآلته بقوله : (( إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا )) . فالإنسان بحجمه ضئيل هزيل , لا يبلغ بالقياس إلى الأجسام الضخمة شيئاً , إنما هو قويٌّ بقوة الله تعالى , عزيز ٌ بعزَّته , كريم بروحه التي نفخها فيه , وبالقع الذي وهبه إياه , ليتصل به و يراقبه و لا ينساه .
وهذا التواضع الَّذي يدعو إليه القرآن الكريم , هو أدب روحي مع حضرة الله , وأدب اجتماعي مع الناس , وما يميل عن هذا الأدب إلى الخيلاء و العجب , إلا إنسان ذو نفسي فارغة من حب الله عزَّ وجل , وعقل جاحد أصم لا يجيد وضع الأمور في موضعها الصحيح .
قال صلى الله عليه و سلم : ( من تواضع لله رفعه , فهو في نفسه حقير , وعند الناس كبير , ومن استكبر وضعُه الله , فهو في نفسه كبير وعند الناس حقير ) أخرجه أبو داوود
وقد ورد في الأثر : ( أقسم الرَّبُّ القدُّوس أن لا يدخل حضرته من كان من أرباب النفوس )
فما هو الربح الذي يجنيه من خسر الله تعالى ؟ وما أجمل قول ذلك العالم العارف بالله عزَّ و جل الذي فال مناجيا ً ربَّه سبحانه : ( إلهي ماذا موج من فقدك وماذا فقد من وجدك ؟) .
فمن خسر الصلة بحضرة الله خسر كلَّ شيء وفاته كلُّ خير , ومن حصل على رضاه عزَّ وجل فقد حصَّل على كلَّ شيء وجنى الربح الأعظم في هذه الحياة وفي دار الخلود .
والحمد لله رب العالمين
غازي صبحي آق بيق/أبو غانم
|