واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
تابع التربية الأخلاقية في الإسلام:
التواضع 3
قال الله تعالى:(وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) "البقرة آية 58"
لقد فتح الله تعالى القرية التي أشار إليها في الآية الكريمة لبني إسرائيل ,وأباح لهم الأكل من طيباتها بسعة ووفرة ,وهذه منَّة ونعمة منه تعالى ,ينبغي عليهم أن يشكروه عليها بالسجود والدعاء ,والعرفان بفضله والتواضع له .
وهذا يدل على أن اللحظة التي يكون فيها المرء في ذروة فرحه وإحساسه بالفخر والنصر ؛هي من أجلِّ اللحظات التي يلجأ فيها إلى الله تعالى طالباً منه العفو والمغفرة ,متذلِّلاً بين يديه متذكراً ضعفه وافتقاره إليه ,مما يجعله مخلوقاً منصفاً مع عباد الله لا جباراً عصي .
فصاحب النفس المزكَّاة ينسب النعم التي تصيبه لفضل الله تعالى ,وكلما ازدادت عليه زحفاً وإقبالاً ,ازداد تواضعاً وشكراً ,أُسوة بالمزكِّي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم الذي لم يزده العزَّ إلا تواضعاً ,وفلم يزده التواضع إلا رفعة وعظمة .
لقد عاد عليه الصلاة والسلام إلى بلدة مكة فاتحاً ,وأكرمه الله تعالى بنصرة الإسلام وإعلاء كلمته ,فعندما دخلها طأطـأ رأسه على ناقته تذلُّلاً لحضرة الله ,حتى كاد يمسُّ جبينه الشريف رحل ناقته .
فهنا يكمن سرُّ عظمة الرجال القادة ,ومن هنا نتبيَّن أن على الإنسان أن يقابل نعم الله تعالى بالشكر والعرفان ,وطلب الغفران عن كلِّ ما يبدر منه ِمن الهفوات والزَّلات ,وأن يتحلَّى بالتواضع والاتِّزان في أحلى ساعات نجاحه ,فالا يفتتن بما يحققه من فوز وانتصار في أي مجال ,ولا يدع نشوة الفخار تطير بصوابه إعجاباً بما أنجزه ,فيفقد بذلك القدرة على التَّبصُّر والإدراك ؛بل إن عليه ,وهو في قمة نشوته وسعادته إلا ينس فضل الله تعالى عليه الذي أوصله إلى الفلاح ,وأن يزداد تواضعاً له ,ويذكر المستضعفين في الأرض فيظلُّهم برعايته وعنايته ,ويتعاون معهم على بناء المجتمع الحرَّ الكريم ,وتحقيق رسالة السَّلام في زرع المحبَّة والإخاء و الإعمار في كل أنحاء المعمورة ,وفي هذا كبح لأهوائه وتقييد لأطماعه التي يمكن أن تزلَّ به إلى مالا نحمد عقباه .
وعليه أن يشكر المنعم الذي من صفاته السامية أنَّه يزيد النعم لمن شكر فهو القائل عز وجل :(.. لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم..) "سورة إبراهيم آية 7"
فحق النعم الشكر عليها ,ودوام الشكر سبب زيادتها .
والحمد لله ربِّ العالمين
غازي صبحي آق بيق /أبو غانم
|