واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
تابع التربية الأخلاقية في الإسلام:
الأمانة و العدل 1
قال الله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) [ النساء / 58].
الأمانة من أهم المبادئ التي يرتكز عليها الإسلام ,ويدعو إلى أدائها لأهلها ,لتكون ذمم المؤمنين بريئة من الشبهات على الدوام .
والأمانة تعريفاً هي : كل ما يجب حفظه وتأديته إلى أهله .
فهي كلمة واسعة المدلول تشمل جميع العلاقات الإنسانية ؛ فالتزام الإيمان وتعهده بأسباب الرعاية و النماء أمانة , وإخلاص العبادة لله أمانة , وإحسان المعاملة مع الأفراد و الجماعات أمانة , وإعطاء كل ذي حق حقه أمانة .
والأمانة و العدل دعامتان من دعائم المجتمع الفاضل , فما أكرم المجتمع الذي يأمن بعضه بعضاً ! وما أعظم المجتمع الذي يسود فيه العدل , فلا ظالم و لا مظلوم , ولا تجاوز على حقوق العباد . والإسلام – بوصفه دين الحياة القويمة والتعامل السليم بين الناس - يرسم دعائم الأمن الاجتماعي ,فيأمر الناس جميعاً بأداء الأمانة إلى أصحابها ,خوفاً من أن يفرط بعضهم على بعض , فتختل القيم الاجتماعية وتسود الفوضى و ينقلب المجتمع إلى غابة يأكل القوي فيها الضعيف . وقد أكد الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة و السلام ذلك بقوله : ( أداء الأمانة إلى من ائتمنك , ولا تخن من خانك ) رواه أحمد و أصحاب السنن .
وللأمانة أنواع : أولها وأعظمها أمانة الهداية والمعرفة والإيمان بالله تعالى عن قصد وإرادة و جهد , إنها أمانة الفطرة الإنسانية التي حملها الإنسان و تعهدها .
وكذلك حفظ المرء ما تعهد الله تعالى إليه من أوامر و نواه , واستعمال جوارحه ومشاعره فيما يقربه من ربِّه .
هذه الأمانة التي تنبثق منها سائر الأمانات الأخرى , فمن حفظ حق الله عز و جل حفظ حقوق عباده , الَّتي تتطلب رد الودائع إلى أهلها , و كتم أسرارهم , وستر عيوبهم , والبعد عن الفحش و البيع , وترك التطفيف في الكيل و الوزن و ما إلى ذلك ؛ فقد قال صلى الله عليه و سلم فيما يرويه أحمد و ابن حبان عن أنس رضي الله تعالى عنه : ( لا إيمان لمن لا أمانة له و لا دين لمن لا عهد له ) .
ويدخل في هذا الإطار أمانة العلماء مع العامة , بأن لا يكتموا علمهم , و يرشدونهم إلى مبادئ وأعمال تنفعهم في دناهم و أخراهم , وإبعادهم عن التعصبات التي تمزق صفوفهم و تضعف شوكتهم .
أما الأمر بالعدل بين الناس , فالنص يطلقه عدلاً شاملاً بين الناس جميعاً , فهو حق لكلِّ إنسان بوصفه إنسان , وهو أساس الحكم في الإسلام .
إن مهمة رسل الله تعالى تحقيق العدل و كذلك مهمة أتباعهم في السير على هذا النهج , كي تبقى الشرائع تُظلُّ الناس بظلها الظليل . بحيث يتحقق العدل بإيصال كل ذي حق إلى حقه , و بتجنب الهوى في القسمة بين الناس .
قال صلى الله عليه و سلم ( إن المقسطين يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن – وكلتا يديه يمين – الَّذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما أوتوا ) . رواه مسلم عن عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله تعالى عنهم أجمعين .
وقال تعالى ((..... وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ........ )) [الأنعام/152] وقال صلى الله عليه و سلم فيما يرويه عن أنس رضي الله عنه ( لا تزال هذه الأمة بخير , ما إذا قالت صدقت , وإذا حكمت عدلت , وإذا استرحمت رحمت ) أخرجه أحمد بن حنبل و أبو يعلى الموصلي في مسندهما .
والله تعالى لا يأمر عباده إلا بما فيه صلاحهم وفلاحهم و سعادتهم في الدارين , فعليهم أن يعملو بأوامره , فهو أعلم منهم بالمسموعات و المرئيات , فإذا حكموا بالعدل فهو سميع لذلك الحكم, وإذا أدو الأمانة فهو بصير بذلك وفي هذا وعد عظيم للمطيع ووعيد شديد للعاصي وفي ذلك إشارة إلى قول الرسول الكريم : ( اعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) رواه مسلم عن عمر رضي اله عنه .
والحمد لله ربِّ العالمين
غازي صبحي آق بيق /أبو غانم
|