واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
تابع التربية الأخلاقية في الإسلام:
الصَّبر
إن الآية الكريمة:(... وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)"سورة البقرة آية 155-157"
تحدد ملامح هؤلاء الصابرين ,الصَّبر الجميل ,المُرجعين أموالهم إلى الله تعالى ,فهم مطمئنون ,قلوبهم متصلة بخالقها لا تتبرَّم ولا تتذمَّر ,وألسنتهم مطهَّرة لا تنطق إلا بالتسليم لله والرضا بقضائه و تردد (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) أي كلُّنا لله, جوارحنا متَّجهة إليه ,وأمورنا راجعة إليه, وله تسلِّم التسليم المطلق.
عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت :سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول :(إنا لله وإنا إليه راجعون ,اللهم أجُرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها) رواه مسلم .
وبما أن الجزاء يكون على الجهد ,فالله تعالى يثيب المؤمنين الصابرين ثواباً عظيماً.
فالصَّبر هو شطر الإيمان وزاد الطريق ,ولهذا حثَّ الله تعالى عليه لما له من أثر كبير في الإنسان .
والمجالات التي تظهر فيها أهمية الصبر كثيرة ومتفرعة ,ولعلَّ أهمَّها الصَّبر على الطاعات ,والصبر عن الشهوات ولذاتها ,لأنه جهاد دائم ,بخلاف المصيبة التي تكون بمثابة عارض لا يلبث أن يزول ,كفقدان الأهل والأحبَّة وحلول الأوجاع والأمراض .
وهناك صبر على التعامل مع الناس وفي ذلك قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :(المسلم إذا كان مخالطاً الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)رواه الترمذي .
وأعظم الصَّبر صبر الأنبياء على الإيذاء والإعراض والصدود الذي يلقونه من أقوامهم ,وقد سُمِّي أربعة منهم بأولي العزم لعظيم ابتلائهم وجميل صبرهم ,وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ,وجاء الأمر لنبيِّنا محمد عليه من الله تعالى أن يقتدي بهم ليكون له في صبرهم أسوة حسنة في هذا الشأن فقال له:( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ..)"سورة الأحقاف آية 35".
وليس المقصود من الصبر الاستسلام للأمراض أو الآلام ,بل هو الجلد والتَّحمل وحسن التعايش مع الصعوبات ,وكيفية مقاومتها والالتفاف حولها دون الإذعان لها.
ولابدَّ في هذه المواقف من استمداد العون من الله تعالى ,لأن الإيمان أقوى من جميع المواقف والعواطف والمشاعر النفسية ,لأنه نور الله تعالى وإكسير الحياة للقلوب ومطهِّرها من الآثام .
وإذا استقرت إرادة الصَّبر في أعماق النفس وتأصَّلت بداخلها ,ولَّدت فيها طاقات إضافية على التَّحمل ,فهي بحر لا ساحل له ,وكلما اشتدَّت الخطوب أغدقت علينا مزيداً من الإرادة والعزيمة في مواجهتها .
وأحسن الصبر هو الصَّبر على الإيذاء في العقيدة وهو المصابرة بعينها فهي شدُّ للعزائم وثبات على الحق ,وإصرار في وجه من يخطِّط ويدبر لتخريب حياتنا وتدمي سعادتنا .
وأما في قوله تعالى:(.. اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا..)"سورة آل عمران آية200"
فالمرابطة هي كلُّ ما فيه انتظار وترقُّب واستعداد من أجل أيِّ عمل في سبيل الله عزَّ وجل ,فحراسة حدود الوطن لمواجهة الأعداء مرابطة .
وانتظار الصَّلاة بعد الصَّلاة مرابطة ,والصَّبر على العلم والتَّعلم مرابطة ,وكذلك أن توقف نفسك عند حدود الله وتلتزم بها ولا تتعدَّاها ,وتترصَّد الشيطان فلا تسمح له أن يتغلغل إلى داخلها مرابطة , والسهر على راحة العلماء ومشاركتهم في العمل الإسلام مرابطة ,وكذلك من المرابطة التزام جانب الحيطة والحذر مع كلِّ من يحاول أن يتعرَّض للعقيدة الإسلامية بأيِّ أذى ,لتلويث أفكار المسلمين وإبعادهم من جادة الصواب .
وهكذا فإن كل عمل يقوم به المرء ,لا بدَّ أن يتجمَّل بالصَّبر ,لأنه الحارس اليقظ للإرادة يمنعها من أن تهن أو تضعف ,والحارس للنفس البشرية من الانهيار أمام الأهواء أو الشدائد .
قال عليه الصلاة والسلام :(عجباً لأمر المؤمن إن أمره كلَّه له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سرَّاء شكر ,فكان خيراً ,وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له )رواه مسلم .
والحمد لله ربِّ العالمين
غازي صبحي آق بيق /أبو غانم
|