رعاية الإسلام للروابط الإجتماعية :
نظرة الإسلام إلى المجتمع الإنساني 2
قال الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) [النساء/1] .
لقد افتتح الله تعالى سورة النساء بخطابه للنّاس جميعاً , داعياً إياهم إلى عبادته وحده , ومنبهاً لهم على قدرته التي خلقهم بها من نفس واحدة فالأصل البشري واحد و النماذج لا حصر لها . وإن إلقاء نظرة على التَّنوع في خصائص الأفراد , على هذا المدى الواسع الذي لا يمكن أن يتماثل فيه فردان تماثل تام على توالي العصور لَتدلُّ على إبداع اليد المدبرة عن علم وحكمة , وتجعل العين و القلب يجولان في ذلك المتحف الحي , فيتمليان النماذج الَّتي لا تنفد . ومهما تشعب الناس بعد ذلك إلى أمم و بلدان وأجناس فإن تشعبهم هذا ما هو إلا كتشعب العائلة الواحدة والأخوة من أب واحد وأم واحدة , وحري بهذا التوحّد في منشئهم وأصلهم أن يؤدي إلى تعاونهم وتعارفهم وتلاقيهم على الخير , وأن يصلوا أرحامهم ليكونوا أتقياء حقاً , وليظفروا بمرضاة الله تعالى , فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة , قال أما ترضين أني أصل من وصلك , وأقطع من قطعك ؟ قالت بلى , قال : فذلك لك ).
إن التَّفكر في أصل الإنسان وتكون الأجناس البشرية , يستوجب العمل على تمتين العلاقات الأسرية والاجتماعية والأممية , فهم سواء في آدميتهم وإنسانيتهم وهم سواء أمام القانون الإلهي , وليس لأحدهم فضل على الآخر إلا بالتقوى , ويكون الثواب و العقاب مرتكزاً على نواياهم وأعمالهم لا على ظواهرهم , قال صلى الله عليه و سلم : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم ولكن إلى قلوبكم وأعمالكم ) . متفق عليه .
ولا يمكن أن تقوم علاقة وطيدة بين الأفراد وذويهم , إلا على أساس المحبة والرحمة , والتسامح والإيثار وبذل الخير ومد يد المساعدة , ونفي التشاطن والبغضاء والأنانية التي تعمل كالمعول في هدم الروابط الاجتماعية , وقد حث الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم على الرحمة في قوله : ( الراحمون يرحمهم الله تعالى , أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء , الرحم شحنة من الرحمن من وصلها وصله الله و من قطعها قطعه الله تعالى ) . أخرجه أبو داوود و الترمذي .
فالعاقل هو من يقدِّر حساباته بدقة ويعمل لآخرته كما يعمل لدنياه , وتكون دنياه مزرعة يحصد إنتاجها يوم الحساب فقد روى أبو يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله ) رواه الترمذي . ولا تقف الرحمة الإلهية عند حدود الإنسان بل تتعداه إلى الحيوان , فعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( بينما رجل يمشي بطريق أشتد عليه العطش , فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني , فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه , حتى رقى فسقى الكلب , فشكر الله له فغفر له . قالوا يارسول الله إن لنا في البهائم أجراً ؟ فقال : في كل كبد رطبة أجر ) متفق عليه .
والحمد لله رب العالمين