قال الله تعالى : ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)) [59 الحشر/8] .
لقد أفرز المجتمع الإسلامي نماذج رائعة من التضحية و البذل , وصلت إلى حد الإيثار على النفس وهو شيء نادر الوجود , يحتاج تحقيقه إلى سمو روحي عظيم .
وقد يقول قائل : إن الاشتراكية شيء رائع لأنها تلزم الفرد أن يقدم فائض أمواله للدولة , والَّتي بدورها توزعه بين الفقراء والمحتاجين .
وهذا أمر جيد , ولكننا نطرح عليه سؤالاً هاماً وهو : تُرى أي نظام في العالم يستطيع أن يُلزم جائعاً , يريد أن يأكل طعاماً لا يملك غيره ؛ ثم يجد من هو أحوج منه إلى هذا الطعام , فيؤثره على نفسه ويقدِّمه له , ويبيت على الطوى ؟؟؟.
إن هذا السلوك مارسه الصحابة الكرام فيما بينهم وبشكل طوعي , بينما نحن الآن في القرن العشرين , عصر العلم و الحضارة , نجد أن الأنظمة الاجتماعية الهادفة إلى إلغاء الفقر من جذوره قد فشلت جملة و تفصيلاً , بسبب عدم أهلية المنادين بهذه الأفكار لتطبيقها على أنفسهم قبل غبرهم ,وقصور الوسائل التي بين أيديهم عن تطبيقها .
ومما لا شك أن هجرة الصحابة الكرام من مكة إلى المدينة و استقبال الأنصار لهم من أجمل الأمثلة وأصدقها على المناصرة و التعاون على مدى التاريخ .
فالمؤمنون في مكة و على الرغم من كثرة الفقراء فيما بينهم , وتهديد كفرة فريش لهم بأنهم إذا أرادوا الهجرة إلى المدينة فإنه لن يسمح لهم بأخذ شيء مما يملكونه من متاع الدنيا وبالمفهوم العصري ( مصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة ) فقد أصروا على الهجرة من دار الجهل إلى دار العلم والإيمان , حيث النبي صلى الله عليه وسلم و ورضوان الله عزَّ و جل و طاعته .
وكان لقاء أهل المدينة لهم عجباً فريداً , فقد فرحوا بمقدمهم وسعدوا به , ولم يكتفوا بتقديم المساعدات والإعانات لهم فحسب , بل اتخذ كل واحد من الأنصار أخاً له من المهاجرين , وقاسمه ماله , وبهذه الصورة سطع وميض الإيمان الفعلي , ليربط القلوب بمحبة متينة متماسكة , ظلت نموذجاً يحتذى إلى يومنا هذا .
ومفتاح الفلاح أن نقي أنفسنا من الشُّحِّ , وأن نبذل ما لدينا في مرضاة الله عزَّ وجل , لأن الشحَّ هو المعوق عن كلِّ خير , والخير كل الخير في بذل المال والجهد مع صدق العاطفة , وإن الشحيح بعيد كل البعد عن الفضائل ,فلا يملك أن يصنع الخير إلا لأنهه يطمع في الأخذ فلا يجرؤ ولا يقدر على العطاء .
ومن وقي الشح فقد تخلص من براثن الظلم لنفسه ولغيره , فقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم والبيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة , واتقوا الشح , فإن الشح قد اهلك من كان قبلكم , حملهم على أن سفكوا دمائهم , واستحلوا محارمهم ) .
ويتجلى اتقاء الشح فيما رواه خالد بن يزيد بن حارثة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( برء من الشح من أدى الزكاة وأعطى في النائبة ) أخرجه الطبراني في الكبير وهنّاد في الزهد .
ولقد أنذر الله الشحيح بحرمانه من جنَّات عدن , وطرده من نعيمه , وذلك على لسان رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حيث قال : ( خلق الله جنة عدن ثم قال لها : انطقي , فقالت : قد أفلح المؤمنون , فقال الله : وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل , ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) أخرجه الحاكم في المستدرك عن أنس والطبراني في الكبير والأوسط