واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
بسم الله الرحمن الرحيم
أخلاق اجتماعية دعا إليها الإسلام
وحدة الكلمة والاعتصام بحبل الله 2
قال الله تعالى ((إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )) [ 6 الأنعام/159].
إن شريعة الإسلام تهدف إلى توحيد الشعوب وإذابة عوامل الفرقة بينها , ونشر لواء الأخوة والمحبة بين أفرادها ؛ لذا كان من المستغرب حقاً أن تظهر قوى مفرَّقة ومصدِّعة لهذه الوحدة الإنسانية باسم الدَّين , ودافعها الخلافات السياسية والمذهبية .
إن تعاليم السماء كلُّها واحدة متصلة ,يأخذ بعضها بيد بعض في نسق منسجم ومنهج سليم وكلَّها تدعو إلى وحدانية الله تعالى ونشر الإسلام على الأرض ولكن عقول الناس متباينة في مدى فهمها واستيعابها لهذه التعاليم . لذا نرى بعض الفئات تتقارب , إما بسبب طبيعتها المتشابهة أو بسبب مصالحها المشتركة , وتتخذ لنفسها منحىً مذهبياً خاصاً يبعدها عن منهج الصالح العام , فتتشعب الطرق أمام الناس ويضيعون في متاهات التعصب , وهذه الفرق تبني لنفسها قواعد فكرية تخالف بها غيرها من المجموعات , ولا تلبث أن تتحول إلى قوالب فكرية جامدة متحجرة , تكفر غيرها وتناصبه العداء , معرضة عن الحوار العقلاني النزيه , مستبدةً بأفكارها , محدثة مالم يكن في صلب العقيدة وضاربة حول ذاتها سوراً يمنعها من التواصل مع الآخرين .
وهذه الفرق تعد أداة هدم في وحدة المجتمع , وعوامل تفرقة وتشرذم , وهي بعيدة عن الدين , وإن كانت في الظاهر تدعو إليه , وروى بقية بن الوليد بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً , إنما هم أصحاب البدع , وأصحاب الأهواء , وأصحاب الضلالة من هذه الأمة , يا عائشة إن لكل صاحب ذنب توبة غير أصحاب البدع وأصحاب الأهواء ليس لهم توبة , وأنا منهم بريء , وهم مني براء ) أخرجه الترمذي وابن أبي حاتم والبيهقي ,. وما نفي رسول الله التوبة عنهم إلا ذنبهم الذي أصاب من وحدة الأمة مقتلاً , وأوردوها موارد الضعف والتهلكة , فأي استغفار ينفع في ذلك وأي توبة تغير هؤلاء ؟ .
والله تعالى ينذرهم بأنه سيجازيهم على مفارقة دينهم , ويذيق بعضهم بأس بعض , ويسلط عليهم أعدائهم ويذيقهم ألوان الذل والهوان ؛ وذلك مالم يرجعوا عن غيهم , وينخرطوا من جديد في صفوف المجتمع الإسلامي الواحد , نابذين خلافاتهم وأحقادهم , متخلين عن أهوائهم , عازمين على إتباع ما يرضي ربهم .
قال تعالى : (( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )) [3 آل عمران/105].
فالوحدة سنة الإسلام وفريضته , والفرقة والتمزق بدعة الجاهلية , والمسلمون أمَّة واحدة ؛ إلههم واحد , ونبيهم واحد , وكتابهم واحد , وقبلتهم واحدة , الأخوة شعارهم , والجماعة سِمةٌ في عباداتهم , والجمعة يوم عظيم من أيام أعيادهم , يجتمعون فيه على طاعة الله و الاعتصام بحبله , وهم يبتغون بعد ذلك ما يشاؤون من عطائه وفضله . والحجَّ أكبر تجمع إيماني لهم , لحلَّ مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية , ودعم وحدتهم وتوحيد صفوفهم , إضافة لسموهم الروحي والأخلاقي .
والحمد لله رب العالمين
غازي صبحي آق بيق / أبو غانم
|