واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
بسم الله الرحمن الرحيم
آداب اجتماعية إسلامية
آداب الاستئذان (2)
قال الله تعالى: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آباءكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون} [النور: 61].
عندما يرفع الحرج بين الأقارب والأصدقاء وأصحاب العلل، تذوب الفوارق الاجتماعية وتنصهر القلوب في بوتقة واحدة، وتتآلف الأرواح لتكبر العائلة الإسلامية، وتصبح أسرة إنسانية واحدة، وكأني بهذه الآية الكريمة قد حولت العالم بين أفرادها، الغني منهم والفقير الصحيح فيهم والسقيم، وهذه هي الغاية التي يسعى الإسلام إلى تحقيقها، وهي أن يُظِلَّ مظلَّة الإيمان الأسرة الإنسانية كلها، وتجمعها في رحاب الحب والتراحم، ولعل تشارك الناس في الطعام من أنجع الوسائل للتحابب، وتقوية روابط الألفة والمودة فيما بينهم، فقد تعارفوا منذ القدم على أن الخبر والملح حرمة، وهناك مقولة مفادها: من أكل من زادنا دخل في أهلنا، فلا يجوز لنا أن نغدر به ولا ينبغي له أن يعتدي علينا.
وقد بدأت الآية بذكر أصحاب الإصابات الجسدية للفت الأنظار إلى العناية بهم، وإعطائهم الأفضلية في الطعام والأولوية في المجالس تخفيفاً لمصابهم، وإشعاراً لهم بانتمائهم الوثيق إلى مجتمعهم، شأنهم في ذلك شأن الأفراد الأصحاء، ثم بينت الآية الكريمة حكم الأكل من البيوت المذكورة من غير إذن صريح؛ فهو جائز ومباح ولا إثم فيه ولا حرج، ويكون حكم الأكل من بيت القريب والصديق كحكم أكل الإنسان من بيته الخاص على حدٍّ سواء، أما عن غير تلك البيوت فعليه أن يتعفف ويتجنب الأكل منها، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد وأبو داود: ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)).
وهذه الآية الكريمة آية تشريع، لذلك نلحظ فيها دقة الأداء اللفظي، والترتيب الموضوعي والصياغة التي لا تدع مجالاً للشك أو الغموض في حكمها، كما نلمح فيها ترتيب القرابات، وما ملكنا مفاتحه من البيوت اللائي أؤتمنا عليها، أو من بيت الصديق.
ولدخول البيوت التي يؤكل منها آداب: {فإذا دخلتم بيوتاً فسلِّموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة} وهو تعبير لطيف عن قوة الرابطة بين المذكورين في الآية الكريمة، فالذي يسلم منهم على قريبه أو صديقه إنما يسلم على نفسه، والتحية التي يلقيها عليه هي تحية من عند الله، تحمل تلك الروح، وتفوح بذلك العطر، وتربط بينهم بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((للإسلام ضياء وعلامات كمنار الطريق، فرأسها وجماعها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وتمام الوضوء، والحكم بكتاب الله وسنة نبيه وطاعة ولاة الأمر، وتسليمكم على أنفسكم وتسليمكم إذا دخلتم بيوتكم، وتسليمكم على بني آدم إذا لقيتموهم)) رواه أبو يعلى والديلمي وصححه الذهبي.
والحمد لله رب العالمين
كتبه: غازي صبحي آق بيق |