|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على صاحب الذكرى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبعد:
يصحو العالم اليوم على حدث تاريخي مهم وذكرى خالدة في أذهان المسلمين حيث غيرت هذه الذكرى مجرى العالم بأسره وذلك بإيذان الله لرسوله بالهجرة من مكة المكرمة إلى طيبة الطيبة التي طابت برسول الله صلى الله عليه وسلم ففي هذه الهجرة تغير كل شيء بما في ذلك طبيعة المناخ فقد كانت يثرب قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بلدا يصعب العيش فيها وذلك لكثرة الحمى الموجودة فيها فقد أصاب المهاجرين ما أصابهم من تلك الحمى التي كادت تودي بحياتهم هذا ما جعل سيدنا أبا بكر الذي أصبته الحمى الشديدة يقول:
كل امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله
فلما وصل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة دعا الله سبحانه أن يبارك في مدها وصاعها وأن ينقل حماها إلى الجحفة فطاب العيش فيها وسميت طيبة.
هذا على مستوى المناخ أما على مستوى الدعوة الإسلامية فقد أخذت منحى آخر فقد كان المسلمون مستضعفين لا حماية لهم يحكمهم الجور والظلم وكبت الحريات ولكن في المدينة اختلفت الأمور تماما فقد أصبح للإسلام دولة وأصبح العمل جماعيا بعد أن كان فرديا ويلاحظ في الهجرة أمور كثيرة تصلح أن يكتب فيها مجلد كامل وأن يخطب فيها خطب كثيرة
لكن سأركز على البعض منها خشية الإطالة فمن دروس الهجرة التي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين الأخذ بالأسباب وأن هذا لا ينافي التوكل على الله سبحانه وتعالى.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه الإذن بالهجرة اختار طريقا معاكسا غير الوجهة التي يريد تعمية على المشركين وتعليما للمسلمين أن اتخاذ الأسباب لا ينافي التوكل على الله سبحانه وتعالى.
ومن يكتب له الحج أو العمرة ثم يزور غار ثور في مكة المكرمة يجد الأمرين معا اتخاذ الأسباب والتوكل على الله سبحانه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمن ينظر إلى اتجاه الغار يجد الحيطة والتعمية واتخاذ الأسباب ومن يقرأ كيف وصل المشركون إلى الغار حتى قال سيدنا أبو بكر يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى شراك نعله لرآنا فيقول له الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يا أبكر ما بالك باثنين الله ثالثهما وهنا نجد رجلا يملأ قلبه التوكل على الله سبحانه حتى أنه لا يعتمد إلا على الله ولا يرى تلك الجحافل كلها من المشركين يجد التوكل الحقيقي على الله سبحانه وتعالى.
وصار قوله تعالى (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا)مضرب المثل على ما نقول وخصوصا عندما نقرأ في أسباب النزول أنها نزلت في السنة الثامنة من الهجرة حين تخاذل المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد الله أن ينبه المسلمين ويذكرهم أن الكثرة لا تجلب نصرا إنما النصر من الله سبحانه وذكرهم الهجرة بعد ما مر عليها سنوات تذكروا كيف نصر الله رسوله عندما كان ثاني اثنين وكان المشركون كلهم ضده تذكروا كيف كان الله معه وكيف أخرجه سالما من بينهم لم يمسه أحد بسوء تذكروا كيف تجمعوا حول بيتهم من كل القبائل وكيف أرادوا أن يضربوه ضربة رجل واحد حتى يضع دمه بين العرب وكيف خرج رسول الله أمام أعينهم وقد وضع على رأسهم التراب علامة على خروجه من أمامهم وهم واقفون لا يستطيعون حراكا.
هذه المواقف تجعل المسلم يتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخاذ الأسباب والتوكل على الله سبحانه حيث تجد رسول الله وقد خرج من الغار يتوجه إلى المدينة يسير ليلا وينام نهرا ويسلك طرقا غير الطرق المعتادة ولما وضعت قريش الجوائز الكبيرة لمن يأتي برأس رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء سراقة مسرعا يجد السير نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أبو بكر رضي الله عنه اقترب منا يا رسول الله كاد أن يدركنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلتفت قمة التوكل على الله سبحانه فلما اقترب سراقة غاصت قدما فرسه في الرمل ووقع سراقة وفك رسول الله صلى الله عليه وسلم أسره والشيء العجيب الذي يذكر في هذا الموقف كيف يعد رسول الله وهو الهارب من قومه السائر وحده في الصحراء كيف يعد سراقة بسوري كسرى وتاجه وكيف يصدق سراقة ذلك.
هذه مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم التي يتعلم منها المسلم كيف يعيش حياة إيمانية صحيحة فصلاة ربي وسلامه عليك يا سيدي يا رسول الله يوم بعثت ويوم هاجرت ويوم انتقلت إلى الرفيق الأعلى وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الشيخ خضر شحرور
عودة إلى أرشيف كلمة الشهر |
