واحة الفكر
والثقافة
>>
مقالات فكرية :
ذكرى الحرية القديمة !!!!
بقلم : ريما محمد أنيس الحكيم .
هل تذكرون أيام كانت الحرية عبارةً عن واقعٍ مُعاشٍ، لم يُنادِ بها أحدٌ لأنها لم تكن مسروقة، بل كانت حياةً بكل ما للكلمة من معنى .. حياة كاملة ..
ومع تزايد الحوادث حولنا، ومع التغير المستمر لسلم الأولويات الإنسانية، ومع اللهاث المتكرر خلف كل ما ياتي من بلاد الحرية ..
تجردت كلمة ( الحرية ) عن مفهومها الاصلي، ولبست المعنى الموجود في عقل الناطق بها.. أصبح مفهوم الحرية إن نطق به متدين يعني حرية مشروطة بشروط شرعية وزيادة من غيرها حسب هواه المتشدد، وقد يعني أنه لا حرية ابداً فنحن كلنا عبيدٌ لله ولا يجوز إطلاق لفظ الحرية علينا وإن من باب المجاز !!
أما انطلاقها من متفلت فيعني كسر كل القيود، سواء كانت شرعية أم اجتماعية أو فطرية حتى .. فكل القيود في ظلال هذا المفهوم مكسورة، إلا تلك المفروضة من سلطات عليا لها علاقةٌ بالهوى المُطاع وأصحاب النفوذ ..
وكما أن لكل إنسانٍ منظومة فكرية عامة ينتمي إليها توجهه نحو الخير أو الشر من افعاله، بحيث يؤنبه ضميره وفقاً لمُعطياتها ..
كذلك لكل إنسانٍ منظومة فكرية خاصة بمفهوم الحرية فقط، بحيث تجعله يفهم الحرية وفقاً لما فيها من بيانات نمت في عقله منذ كان طفلاً حتى عمره الحالي، متأثرة بكل ما حوله وكل ما يمر به من تمذهب ديني وتنظيم فكري وميلانٍ اجتماعي ..
قد يقول لي قائل :
إن ما تنطقين به عن الحرية ليس معناها الواقعي، بل هو تحريف كل إنسان للحرية وفق ما يهواه ويرغبه ؟؟
فأقول :
نعم .. إنه تحريفٌ للوقائع .. وتشكيلٌ جديد لها لجعلها تتوافق والأفكار التي تربينا عليها واعتدنا العيش في نطاقها .. كلن هذا الأمر هو الواقع الحالي ..
لم تعد الحرية بمفهومها المقدس الذي أتى به ديننا الكريم من سماحٍ للبشرية بالتجوال في ساحة الأفعال تحت قاعدة ( الأصل في الأمور الإباحة إلا ما ورد دليل بتحريمه ) مع التوقف عند ضوابط الشرع في كل فعل وأمر .. لم تعد هذه الحرية سائدةً أيامنا ..
وقد نادى بنجامين فرانكلين قديماً :
(( أولئك الذين يتخلون عن الحرية ليحصلون على أمن مؤقت لا يستحقون كليهما )) ..
كان لكلمته صدى في تاريخ الشعوب التي تخلت بالفعل عن حريتها في سبيل ذلك الأمن المزيف، وكان لها أثر في ان تلك الشعوب خسرت الحرية التي كانت تعيش عليها وخسرت أمناً كانت تطمح إليه، فذلَّت .. ورأينا كلمته تلك محققة في بعض الشعوب في أيامنا هذه، أولئك الذين تخلوا عن الحرية، لأجل فتاتٍ من الخبز ووعودٍ كاذبة .. تخلوا عن أغلى ما يملكه إنسانٌ لتسيطر عليهم بلاد الحرية في العالم ( أمريكا ) لنرى تلك الكذبة المنتشرة في كل مكان، فبدأوا يذيعونها كلما استطاعوا حتى في أفلامهم التي ترسل لنا رسائل فيها : ( أنتم أحرار في بلاد الحرية ) .. لتصبح بلاد الحرية تلك حلماً يحلم به كل مراهق من عندنا، ويسعى كلما اتفق له أن يصبح من رعايا تلك البلاد، بشتى الوسائل والإمكانات ..
كيف بنا ونحن لا نستحق حريتنا ؟؟
ثم ألا يعلم أولئك المستضعفون أن حرية بلاد الحرية تعني حريتهم الخاصة بالمفهوم الموجود في عقولهم وفق منظومتهم الفكرية التي تربوا عليها ؟؟
ألا يعلمون أن تلك الحرية المقصودة عندهم تعني أن نبقى في دائرة ( المفعول به ) بقية حياتنا، أو أن نكون ( مضافاً إليه ) حتى إشعارٍ آخر يأتي بموتنا ؟؟
ألا يعلمون أن حياةً تابعةً لآخر لا تستحق أن تُعاش، وأنا أتكلم الآن ضمن حدود الكرة الأرضية، فلا يوجد أحدٌ على سطحها يستحق أن تتبع حياة الإنسان له كلياً مهما كان.. فكيف غن كان ذاك الآخر يحمل من الحقد والعداء لنا ما يكفي لجعله يبيدنا إبادة جماعية، لكنه يُبقينا الآن لنكون خدماً له .. ويخدعنا بتلك الشعارات البراقة من الحرية والسعادة، فالمصطلحات التي وردوها لنا كـ ( حقوق الإنسان ) و ( حقوق المرأة ) هي أكبر كذبة مرت في تاريخ البشرية ، ولا بد أننا نعلم تماماً معانيها الحقيقية لديهم ، لأنها خرجت من منظومتهم الفكرية نفسها التي خرَّجت حريتهم الزائفة ..
إلامَ نبقى مع هذه الأفكار التي لا توصلنا إلى أدنى درجة في سلم التطور ..
وإلامَ نستمر في هذه المعمعة التي أخذوا بها البابنا فاحتلونا من الداخل قبل ان يحتلونا من الخارج ؟؟
وإلامَ تُسمَّر عيوننا على ما يردنا منهم حتى ما كان فكرياً وكأنه الفكر الوحيد الصالح للتطبيق من أجل خدمة البشرية ؟؟
وإلامَ نأخذ بالحرية الآتية من عندهم وكأنها حريتنا الأبدية ؟؟
لماذا هذه التبعية ؟
لقد قال ميكيافيللي قديماً في كتابه ( الأمير ) :
(( إن ذكرى الحرية القديمة لا تترك الشعب يرتاح ))
وفيما يبدو أن كلامه ليس صادقاً مائة بالمائة ..
فنحن نملك أغلى ذكرى للحرية .. تلك الحرية التي ذُقنا طعمها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهود الإسلام الذهبية .. وبناء على مقولة ميكيافيللي ينبغي ألا نرتاح في ظل حياتنا الجديدة ..
فلماذا لسنا متعبين ؟؟
ولماذا نحن مرتاحون في ثنايا ظلال حرية ماتت ؟؟
وكيف بنا نشعر بالسعادة تحت التبعية لبلاد الحرية التي نظمتها وفقاً لهواها ؟؟
وأين نحن .. وأين حريتنا القديمة التي تكاد تقتلني ..
هل نشعر بالراحـــــــة ؟؟
إن كنا نشعر .. فعلى الدنيا السلام .....
والسلام عليكم .......
|