واحة الفكر
والثقافة
>>
مقالات فكرية :
أظهر المسيح الدّجال ؟؟!!!
تروي لنا الآثار حكاية رجل يظهر في آخر الزمان ويأتي بالخوارق والمعجزات بما يفتتن به الناس من كافَّة أرجاء الأرض فيسيرون خلفه وقد اعتقدوا أنه إله وتصف الروايات بأنَّه أعور وأنه يملك من القوَّة الخارقة ما يجعله يسقط الأمطار بمشيئته ,فينبت الزَّرع ويكشف عن الكنوز المخبوءة ,ويحيي الموتى ,ويميت الأحياء ويفتتن به كلّ من يراه ويسجد له على أنَّه الإله على حين يراه المؤمنون على حقيقته ولا تخدعهم معجزاته ويشهدون رسم الكفر على وجهه ذلك هو المسيخ الدجال,إحدى علامات السَّاعة الّتي نقرأ عنها في كتب الدّين.
والمسيخ الدَّجال قد ظهر بالفعل ,وهذا المسيخ الشائه ذو العين الواحدة هو:التَّقدَّم المادِّي والقوَّة المادّيَّة والتّرف المادِّي..صعودات هذا الزَّمان مدنية العصر الذَّري,العوراء العرجاء,الّتي تتقدَّم في اتّجاه واحد وترى في اتِّجاه واحد هو الاتِّجاه المادِّي على حين تفتقد العين الثانية((الرُّوح)) التي تبصر البعد الرّوحي للحياة..فهي قويّة بلا محبة,وعلم بلا دين وتكنولوجيا بلا أخلاق.وقد استطاع هذا المسخ فعلا عن طريق العلم أن يسمع ما يدور في أقصى الأرض (باللاسلكي والخليوي),ويرى ما يجري في آخر الدّنيا(بالتّليفزيون والمحطّات الفضائيّة)وهو الآن يسقط المطر بوسائل صناعية ويزرع الصّحاري وينقل قلوب الأموات إلى قلوب الأحياء,ويطير حول الأرض وينشر الموت والدّمار بالقنابل الذّريّة,ويكشف عروق الذّهب في باطن الجبال وقد افتتن النّاس بهذا المسيخ فعبدوه وأمام هذا الاستعراض الباهر للتّقدّم العلمي الغربي فقدنا نحن الشرقيين ثقتنا بأنفسنا ونظرنا باحتقار إلى تراثنا وديننا.
وفي حمّى الشّعور بالنّقص والتّخلف تصوّرنا أن دياناتنا ضرب من الخرافات المخجلة التي يجب أن نتخلص منها لنلحق بركب التّقدّم وندخل في رحاب المعبد الجديد..معبد العلم لنعبد القوة المادية وقد فقدنا الوعي واختلطت علينا الوسيلة بالغاية فجعلنا القوّة المادّيّة غايتنا,ونسينا أنّها مجرّد وسيلة وأداة,ودور هذه الوسائل أن توضع في خدمة الإنسان لتحرّره من الضّرورات المادّيّة فيفرغ إلى الفكر والتأمّل وإثراء روحه بالمعرفة الحقّة.
وبدلا من أن تكون هذه الوسائل في خدمتنا أصبحنا نحن في خدمتها ونكدّ ونكدح ونتعارك لنمتلكها ونزداد نهما ورغبة لنمتلك أكثر وأكثر ونقف مشدوهين أمام سيل من المنتجات الاستهلاكيّة الّتي تملأ الأسواق ونتحوّل إلى جوع أكّال يزداد جوعاً كلّما أمعن في الشّراء وحلقة مفرغة من الأطماع لا تنتهي إلا لتبدأ وهي أبداً تهدف إلى اقتناء سبب من أسباب القوّة المادّيّة أو التّرف الحياتي ممّا تطرحه التكنولوجيا كلّ يوم في واجهات المحلات.
وكما يكدّس المواطن العادي البضائع الاستهلاكية تكدّس الدول الأسلحة والذخائر ثمّ تدمّر بها بعضها بعضا في حروب طاحنة ثمّ تعود فتكدّس أسلحة أخطر وقنابل أكبر
العالم أصبح مسرحا يهرول فيه المجانين في اتّجاه واحد نحو القوّة المادّيّة, فالمسيخ الدّجال الأعور معبود هذا الزّمان فكأنّ المادّة هي الإله.
فهذه هي الصّلاة اليوميّة وقد اختفى الإيمان بالله, واختفى معه الإحساس بالأمن والسّكينة والطّمأنينة.
وأصبحت الصّورة الفلسفيّة للعالم هي غابة يتصارع فيها المخلب والناب, صراع طبقي ..صراع عنصري..صراع عقائدي..وعالم فظيع من الخوف والقتل وإلى هذه الحالة انتهت بنا عبادة الدّجال و النتيجة هي هذا الإنسان المهموم الخائف القلق والإنسان المذعور الذي افتقد الأمانّ ويحاول أن يستجلب لنفسه الأمان بالوسائل الصناعية التكنولوجية عن طريق عين سحرية يضعها على الباب تعمل بالأشعة تحت الحمراء لاكتشاف اللصوص وجرس إنذار للخزينة ورسم كهربائي للقلب كل شهر لاكتشاف الجلطة قبل أوانها و أجهزة تكييف للحر و البرد وبوالص التأمين وعشرات الأصناف من الفيتامينات و المسكنات والمنبهات وعشرات الأجهزة التي توفر الجهد والقوة العضلية .
وكل وسيلة مادية تحتاج بدورها إلى وسيلة مادية لتؤمنها وفي النهاية لا أمان!!
وينسى الإنسان بهذا التيه الذي أضاع فيه عمره أنه أخطئ منذ البداية حينما تصور أنه قذف به إلى الدنيا بلا قوانين تحفظه وبلا رب يسأله,وأخطأ مرة أخرى حينما جعل القوة المادية مصدرا لسعادته وأمنه وهدفا لحياته وغاية سعيّه وتصور أنها يمكن أن تمنحه الأمن و السكينة والاطمئنان المفتقد فإذا بها هي نفسها التي تسلبه سكينة النفس وأخطأ مرة ثالثة حين تصور أن الكيمياء و الطبيعة والكهرباء هي في الواقع علوم جزئية وأن الدين علم كلي يبحث في الكليات وهو العلم الكبير الذي يشتمل على كل العلوم في باطنه وأنه لا تعارض بين الدين و العلم وهو الذي يرسم للعلوم الصغيرة أهدافها وغاياتها ويضع لها وظائفها السليمة في إطار الحياة المثلى .
يتبع في القسم الثاني إن شاء الله
أخوكم عبد اللطيف |