واحة الفكر
والثقافة
>>
مقالات فكرية :
فضول النظر و غض البصر -2-
كيف أغض بصري
نحن أحوج ما نكون لغض البصر في هذا العصر؛إذ شاعت المشاهد المخجلة التي تذهببالحياء، وانتشرت الممارسات الجنسيةالمحرمة بين الشباب على الشات،وتخصصت بعض الفضائيات في الأفلاموالأغاني المصورة (الفيديو كليب)المملوءة عريا وفحشا، حتى صار الشبابفريسة للمعاصي، وصيدا هينا للشيطان.
وطالت سلبياتُ العولمة كل ركن من مظاهرالحياة؛ فأفسدت المواقعُ الإباحية علىمستخدمي النت من الشباب أوقاتهم،وأصبح التقليد الأعمى للغرب هوالسائد بينهم في صخب الهوجةالإعلامية وشيوع ثقافة العري، وغابعنا الأمر الإلهي (قُللِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْأَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوافُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْإِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَايَصْنَعُونَ) النور: 30.
وإليك – أخي الشاب -بعض الوسائل التي تعينني وتعينك على خوض هذه المعركة القاسية مع النفس، والهوى، والشيطان، فارع لي أذناً صاغية، وامنحني فؤادكالخير، وامنحني عقلك النير لأقول لك:
القاعدة الأولى:
· إذا نظرت نظر الفجأة فاصرف بصرك:
في صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي قال : سَأَلْت رَسُول اللَّه صلى الله عليه و سلم عَنْ نَظْرَة الْفَجْأَة, فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِف بَصَرِي.
قال النووي في شرح مسلم (وَمَعْنَى نَظَر الْفَجْأَة أَنْ يَقَع بَصَره عَلَى الْأَجْنَبِيَّة مِنْ غَيْر قَصْد , فَلَا إِثْم عَلَيْهِ فِي أَوَّل ذَلِكَ , وَيَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَصْرِف بَصَره فِي الْحَال , فَإِنْ صَرَفَ فِي الْحَال فَلَا إِثْم عَلَيْهِ , وَإِنْ اِسْتَدَامَ النَّظَر أَثِمَ لِهَذَا الْحَدِيث , فَإِنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَصْرِف بَصَره مَعَ قَوْله تَعَالَى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ).
القاعدة الثانية:
· (يا علي! لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى و ليست لك الآخرة) رواه الإمام أحمد وأبو داود وهو حديث حسن.
وهذه قاعدة متصلة بالقاعدة السابقة، ومكملة لها، وهي قاعدة ذهبية في غض البصر وحفظه عن الحرام، قال ابن الجوزي: (وهذا لأن الأولى لم يحضرها القلب, ولا يتأمل بها المحاسن, ولا يقع الالتذاذ بها, فمتى استدامها مقدار حضور الذهن كانت كالثانية في الإثم).
القاعدة الثالثة:
· (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن)
فالبعد عن مواطن الاختلاط قدر المستطاع مما يساعد الشباب على حفظ أبصارهم و راحة قلوبهم و عقولهم, بينما التساهل في الحديث إلى النساء و الاختلاط معهن يفتح على الشباب أبواب المعاصي و الشهوات .
القاعدة الرابعة
· تجنب الجلوس والتسكع في الطرقات:
في صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ, قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ).
أيها الإخوة، نههاهم الرسول صلى الله عليه و سلم عن الجلوس في الطرقات لأنها مظنة التعرض للنظر المحرم، وارتكاب منهيات أخرى، فلذلك قال لهم النبي صلى الله عليه و سلم : (فإن كان لابد، فأعطوا الطريق حقه)، وذكر من حق الطريق غض البصر.
أيها الإخوة، يشترك مع الطرقات هذه التي هي مظنة النظر المحرم، الأماكن العامة التي يكثر فيها التفسخ، كبعض الحدائق والأسواق، وللأسف إن كثيراً من المسلمين يتهاونون في هذا الأمر، فيخرجون للنزهة في مثل هذه الحدائق مع علمهم بأنها مليئة بمظاهر التفسخ والانحلال والعري، ثم بعد ذلك يطالبون بالحلول العملية المعنية على غض البصر.
فإن قال قائل: لكن لا يستطع الإنسان حبس نفسه بالبيت، فلا بد من الخروج لشراء الحوائج، والنزهة، فنقول أولا: لا بد أن يكون ذلك بقدر الحاجة، ولا يحدث فيه توسع، ثم ليتجنب الإنسان الأزمنة والأمكنة التي هي مظنة الفساد، وبعد ذلك نقول له كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (فإن كان ولا بُد فأعطوا الطريق حقه... غض البصر، وكف الأذى).
القاعدة الخامسة:
· (يَعْلَمُ خَائِنَةَ ٱلأعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ)غافر:19.
قال ابن عباس: (هو الرجل يكون جالساً مع القوم فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها، و هو الرجل ينظر إلى المرأة فإذا نظر إليه أصحابه غضّ بصره, فإذا رأى منهم غفلة تدسس بالنظر, فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره, وقد علم الله عز وجل منه أنه يود لو نظر إلى عورتها).
سئل الجنيد: بم يستعان على غض البصر؟ قال: (بعلمك أن نَظَرَ الله إليك أسبقُ إلى ما تنظره).
وكان الإمام أحمد ينشد:
إذا ما خلوتَ الدهر يوما فــلا تقل خلوتُ,ولكن قل عليَّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ســـاعة ولا أن ما يخفى عليـــه يغيب
فاستحضار اطلاع الله عليك ، ومراقبة الله لك ، و أنه يراك و لا يغيب عنه شيء من شأنك سيعينك على التخفيف من المعاصي و الحد من شدتها .
القاعدة السادسة :
· (بَلِ ٱلإِنسَـٰنُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ,وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ) القيامة:14، 15.
يكثر الإنسان من البحث عن الأعذار في عدم إمكانية غض البصر، وأنه أمر غير واقعي، ويبدأ الشيطان بحياكة صور متعددة من الأعذار، ويزين له الاتكال عليها من أجل أن يطلق بصره، ويسرح بنظره، فتارة يقول له مستهزئاً: الأحسن لك أن تكون أعمى، أو أن تصطدم بالناس، وتارة يقول له: امش كالأبله الذي لا يعرف شيئاً، وأخرى يقول له المهم نظافة القلب، ولو نظرت إلى النساء، وهكذا، إلى غير هذه من الأعذار، والجواب عن كل هذا: بل الإنسان على نفسه بصير، ولو أكثر من إلقاء المعاذير، وهذا معنى تلك الآية.
القاعدة السابعة:
· (احفظ الله يحفظك).
نعم احفظ الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه، يحفظك من الانزلاق في المعاصي، كما يحفظك إذا احتجت إليه في يوم شدة، ومِن حِفْظِ الله أن تلزم ذكره حتى تكون أقرب إليه، وأبعد عن الشيطان، فإذا مر عليك منظر، أو رأيت صورة فإنك تكون متصلاً بالله، مستمداً القوة منه، فيكون ذلك أقوى لأن تغض بصرك.
فإذا أحاط المسلم نفسه بأسوار الشيطان، وتخندق في حبائله، فكيف يطالب بعد ذلك نفسه بما لا مقدرة عليه، ويتمنى أن يغض بصره؟؟؟؟.
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
قال ابن تيمية:( وتأمل كيف عصم الله عز وجل يوسف عليه السلام من فتنة امرأة العزيز، فقد كانت مشركة فوقعت مع تزوجها فيما وقعت فيه من السوء، ويوسف عليه السلام - مع عزوبته ومراودتها له واستعانتها عليه بالنسوة وعقوبتها له بالحبس على العفة - عصمه الله بإخلاصه لله تحقيقاً لقوله: ولأغوينهم أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ الحجر:39، 40، قال تعالى:( إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ) الحجر:42.
القاعدة الثامنة:
· (وأتبع السيئة الحسنة تمحها).
فإن الإكثار منها مع المحافظة على القيام بالفرائض ، سببٌ في حفظ جوارح العبد ، قال الله تعالى في الحديث القدسي( … وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعهالذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التييمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه … ) رواه البخاري .
وإن انزلاق عينيك – أخي الشاب - في نظرة محرمة، واختلاسة طرفك لصورة نهيت عن النظر إليها، ينكت نكتة سوداء في قبلك، فاحذر أن تكثر هذه النقاط السود حتى يصبح قلبك أسود منكوساً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أُشرب في هواه، فاحذر كل الحذر من هذا، وأتبع هذه السيئةَ بحسنة، حتى تجلو قلبك وتغسل فؤادك من ظلمة المعصية، وذلة المخالفة، وتضيق على شيطانك منافذه.
إن الشيطان يأتيك فيقول لك: ها قد وقعت، فانتهى أمرك، فلا تحمّل نفسك ما لا طاقة لك به، فلا داعي لأن تعاهد نفسك بعدم النظر وتمتنع عن شيء تعلم يقيناً أنك ستعود إليه، وهكذا ينسج الشيطان الرجيم حولك خيوطاً من الوهم، والوهن، حتى تصبح أسيره، ولا تلبث أن يصدق عليك قول الله عز و جل: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ) الجاثية:23 , فاحذر أن تقع في حبائل الشيطان و تنطلي عليك حيله .
القاعدة التاسعة:
· (وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ)غافر:60.
روى شعبة عن عبد الملك بن عمير قال : سمعت مصعب بن سعد يقول: كان سعد يعلمنا هذا الدعاء عن النبي صلى الله عليه و سلم: (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النساء وأعوذ بك من عذاب القبر).
فالدعاء خير سلاح، وأقوى وسيلة، وأنفع دواء، به استعانة برب الأرض والسماء، به النصر على الأعداء، فاستعن به أخي الشاب.
ادع الله دائماً أن يحفظ عليك إيمانك، وأن يقوي عزيمتك على غض البصر، وحفظ النظر، ادع الله في ليلك ونهارك، في أوقات الاستجابة، وفي كل وقت.
القاعدة العاشرة :
· البصر نعمة و أمانة
يغفل المؤمن عن تذكر أن البصر نعمة من نعمالله علينا؛ وبهاامتن الله تعالى على خلقه في آياتٍ كثيرة كقوله سبحانه : ( وَاللَّهُأَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَلَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) النحل:78 , وقال تعالى : ( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُالسَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (السجدة:9 .فنبهنا الله تعالى على وجوب شكر هذه النعمة و أداء حقها من جعلها في طاعة الله و البعد بها عن محارمه .
و الله سبحانه و تعالى جعل البصر أمانة, وهذه الأمانة لها حرمتها، ولا بد منصيانتها، وألا يُترك لها العنان فنحن مسؤلون عنها يوم القيامة ,يقول الله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُمَسْؤُولاً) الإسراء ,.
و بعد....
فاعلم أخي الفاضل أن نعمة البصر من النعم التي يمتن الله بها على عباده ليؤدوا شكرها وهي كثيرة لا تحصى، وشكر النعمة لا يكون باللسان فقط بلباستخدام هذه النعمة في ما أحلَّ الله، وحفظها عما حرم الله، وإطلاق البصرإلى المحرمات له أضرار عديدة يكفي أنها تجعل صاحبها من المقصرين، ويكفي فيزجر النفس عنها أن يُعلم أن الله سبحانه مطلع على هذه الخيانة من العينيقول تعالى: (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)
................................................................
نقلا ً عن موقع صدى زيد
|