واحة الفكر والثقافة
>>
مقالات
دعوية :
حقوق المرأة في الإسلام
أ.د. عبد القادر مكي الكتاني.
رئيس قسم وأستاذ الحوار الحضاري و الفكر الإسلامي المعاصر
رئيس مركز الدراسات العربية والإسلامية
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تعاني المرأة في العالم عموماً ودول العالم الثالث خصوصاً جملة من الإشكالات تضاعف عناءها وتجعل مشاركتها في بناء المجتمع تواجه بصعوبات معقدة نتيجة لرواسب الماضي الجاهلي التي يحملها الرجل في أعماقه, وعلى الرغم من أن المرأة بمنهاج الشريعة الإسلامية, قد منحت كافة حقوقها الطبيعية كأنثى, وما يمارس بحقها من سلب لبعض هذه الحقوق في بعض مجتمعاتنا, ما هو إلا من رواسب الجاهلية الأولى والعشائرية والقبلية المترسخة في جينات الرجال, وليس ذلك حكرا على المجتمعات العربية والإسلامية بل تعداه للعديد من الشعوب الأخرى حتى التي تدعي التقدم وحماية حقوق المرأة إذ تبدو مظاهر الإساءة للمرأة هناك بأشكال أخرى, إذ إن أغلب الأحرار في العالم متفقون على أن العالم كله تحكمه شريعة الغاب والبقاء للأقوى, وهو خاضع بالجملة للمجتمع الذكوري وحيث أن المرأة هي الأضعف جسمياً فقد نالها نصيبها من صراع البقاء.. شئنا أم أبينا.. وعلى الرغم من ذلك نجد لزاما علينا إنصافها ما وجدنا إلى ذلك سبيلا, وسنستعرض هنا بعضا من حقوقها التي أقرتها الشريعة الإسلامية قبل خمسة عشر قرناً إلا أن بعض الظروف التي ذكرناها آنفاً جعلت بعض هذه الحقوق غامضة وبحاجة للمزيد من الإيضاح بشكل أكبر لإزالة اللبس عنها ومنها :
1- حقها في الحياة
لا يختلف إثنان من المسلمين على ضرورة حفظ حق المرأة في الحياة والحرية والسعادة وفق ضوابط الشريعة, فمما لا شك به أن حق الحياة هو من أقدس الحقوق وأشرفها وهو أحد مقاصد الشريعة الأساسية وأوضح دليل عليه قول الباري عز وجل مستنكراً جريمة وأد البنات التي كانت سارية أيام الجاهلية الأولى قبل الإسلام ( وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت ) وقوله ( أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً)
2- حقها في التعلم والتعليم:
مما لا شك به أن للمرأة الحق في التعلم والتعليم فهنالك العديد من الأدلة الشرعية على ضرورة تعليمها وتثقيفها منها قوله تعالى (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) فكيف يتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدون تعلم وتعليم , ومنها قول الرسول الكريم ( )( طلب العلم فريضة على كل مسلم,) والأصل في التعليمات الشرعية أن يستوي فيها الذكر والأنثى ما لم يرد تخصيص لأحدهما بذلك, وقوله (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع) ولست أدري بأي دليل أخرجت المرأة من عموم هذه الأدلة الكثيرة التي يضيق المجال لذكرها. والتاريخ الإسلامي ذاخر بالعديد من الفقيهات والقارئات والمعلمات بحيث كان للواحدة منهن الكثرة الكاثرة من التلاميذ رجالا ونساء, ومنهن كبار الصحابيات من أمثال عائشة وأم سلمة وحفصة بنت عمر وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهن .
3- حريتها في اختيار الزوج
وهو الأمر الذي حاولت بعض الفئات التشكيك به على الرغم من الأدلة والوقائع ومنذ عصر النبوة الأولى التي تؤكد هذا الحق فكم من صحابية أرغمها والدها على الزواج ممن لا تحب وأتت النبي تشتكي فأيد النبي موقفها وأنقذها من مصيبتها, والأمثلة على ذلك كثيرة اخترنا منها ما أخرجه (مالك، م، د، ن) عن عبد الله بن عباس أن بكراً أتت للنبي قائلة أن أباها زوجها ابن أخيه وهي كارهة، فخيرها النبي وقال (الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا فالثيب أحق بنفسها من وليها أي أعرف بمصالحها وهي صاحبة القرار والبكر لا بد أن يستأذنها أبوها فإن لم توافق فلا يحق له إجبارها أي أن موافقة الطرفين وأعني بهما البنت والولي ضرورية ومن قال غير ذلك فقد خالف الهدي النبوي,
4- إشكاليات الطلاق
آ - كلنا يعلم أن الشارع الحكيم قد سمح بالطلاق لحل الإشكاليات المعقدة, التي تستحيل معها الحياة الزوجية والتي لا حل لها إلا به وعلى أساس أنه آخر الدواء مصداقا لقول النبي ( أبغض الحلال إلى الله الطلاق) وقد وضع الإسلام الضوابط والشروط لإنفاذه وما يترتب عليه من مسؤوليات على كلا الزوجين لحفظ حقوقهما والمحافظة على الضوابط الاجتماعية والأخلاقية.
ب - ثانيا الحق الكامل للمرأة في فراق الرجل إذا كرهته.
من المعلوم أن من أنواع الطلاق والفراق ما يطلق عليه تجاوزا اسم الخُلع بسبب الكراهية وهو طلب المرأة فراق الرجل لعدم التوافق, ودون إبداء الأسباب, فبمجرد أن تخبر المرأة القاضي أنها تكره زوجها ومستعدة لإعادة مهرها إليه وجب فراقها وخلعها من زوجها شاء أم أبى, وهذا ما قررته السنة المطهرة في القصة المشهورة الواردة بالصحاح من كتب الحديث, بالحديث الذي أخرجه (خ, حم, ن ,هـ , د, قط) عن عبد الله بن عباس من أن صحابية جاءت للنبي قائلة أنها تكره زوجها وتريد فراقه فقال لها النبي (أتردين عليه حديقته التي أمهرك إياها فقالت نعم فقال له النبي إقبل الحديقة وطلقها تطليقة )
ج - تعويضات الطلاق خصوصا عندما يكون تعسفيا ومن طرف الزوج واستخفاف المغرضين بهذا الحق واعتباره نفقة لا تسمن ولا تغني من جوع , علما بأن النفقة الواجبة شرعا هي الحد الأدنى المقبول, وبالإمكان زيادتها بتغير الأزمنة والأمكنة والحال الاجتماعية, والذي نراه أن بالإمكان اعتبار الزوجة موظفة في شركة الزوجية وبالإمكان تعويضها عن السنوات التي أمضتها في هذه الشركة, تعويضا مجزيا, يجنبها الفاقة والحاجة للآخرين,
4- حقها في العمل..
على الرغم من أن أغلب الفقهاء قد اتفقوا على السماح للمرأة بالعمل ضمن حدود الضوابط الشرعية الأصيلة, إلا أن بعض المغرضين ينكرون ذلك, على الرغم مما ورد من أمثلة في السيرة النبوية عن مشروعيته والأمثلة على ذلك كثيرة منها ما روي عن جابر بن عبد الله قال (أن خالته طلقت فأرادت أن تخرج لقطاف نخلها فمنعها بعض أقاربها فاشتكت للنبي فقال لها اخْرُجِي فَجُدِّي نَخْلَكِ لَعَلَّكِ أَنْ تَصَّدَّقِي مِنْهُ أَوْ تَفْعَلِي خَيْرًا(د، ن، هـ، ك) فلاحظ معي كيف أن النبي أمرها بالعمل وهي في فترة الحزن على زوجها فمن باب أولى بالأيام العادية, وهنالك الكثير من القصص التي تؤكد هذا الحق ضمن ضوابطه الشرعية خصوصا وان هنالك العديد من المهن التي يحتاجها المجتمع المسلم من النساء حصراً, كالطبيبة وغيرها
5- حقها في العمل العام والسياسي
مما لا شك فيه أن المرأة في مجتمعاتنا تعاني من الحرمان من المشاركة في العمل العام والسياسي ومرد ذلك برأيي إلى أمرين اثنين:
-أولهما التركة الثقيلة التي نقلتها أجيالنا الذكورية من الجاهلية الأولى والقبلية المستبدة بعدم كفاءة المرأة لذلك, وثانيهما تشدد قلة من الفقهاء ورفضهم لعمل المرأة كلية من باب سد الذرائع, على الرغم من الأمثلة الحية الواضحة في حياة الصحابيات الطاهرات ومشاركتهن بالعمل العام والجهاد أيام النبي الكريم والأمثلة على ذلك كثيرة منها أن أم عطية الأنصارية قالت (غزوت مع رسول الله سبع غزوات أخلفهم في رحالهم أصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى)(حم, م, هـ, طب) وعن الصحابية الربيع بنت المعوذ قالت( كنا مع النبي نسقي ونداوي الجرحى ونرد القتلى إلى المدينة) (حم ,خ ) وأي مشاركة في العمل العام أعظم من المشاركة في الجهاد , وقد اتضحت المشاركة السياسية في أجلى صورها من خلال مواقف السيدة عائشة رضي الله عنها فقد كان رأيها العام حاضرا أيام النبي واتضحت مواقفها أكثر بأزمنة الخلفاء الراشدين جميعا ومنها مشاركتها في صد عثمان بن عفان في بعض مواقفه ورفضها توليته أقرباؤه وضعفه في الحكم, ثم وقوفها ضد علي بن أبي طالب ر وقيادتها للجيش المتجه للبصرة ونحن لسنا هنا لنقرر من على الحق ومن على الباطل منهم, ولكننا نريد أن نستفيد من مشاركة السيدة عائشة في القضايا العامة وهي من أقرب المقربين للرسول الكريم , ولذلك فنحن نرى أن الإسلام قد منح المرأة حق العمل العام في حدود إمكانياتها الأنثوية مع الحفاظ على الحشمة والوقار وتحقيقا لمقاصد الشريعة ما عدا الولاية العامة التي لا نراها مؤهلة لها لا شرعا ولا عاطفة لما فيها من مسؤوليات جسام ينوء بحملها صناديد الرجال.
4-ونختم محاضرتنا بمقتطفات من كلام الرسول الكريم وبعض الخلفاء الراشدين من درر وجوامع الكلم التي توضح موقف الإسلام من الحقوق المشروعة للإنسان بشكل عام وللمرأة بشكل خاص.
فقد نقل عن الرسول الكريم قوله في خطبة الوداع..( أيها الناس ... إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا.... فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها .. إن لنسائكم عليكم حقا ولكم عليهن حق .. استوصوا بالنساء خيرا واتقوا الله في النساء... ..أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب.. إن أكرمكم عند الله أتقاكم ..لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى. ))
- ونقل عن الخليفة الراشد أبي بكر الصديق قولُه (( أيها الناس ، إني قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوموني . الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له ، إن شاء الله ...))
-ونقل عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب قولُه (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) وقوله لأحد قضاته (..سويِ بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع قوي في حيفك ولا ييئس ضعيف من عدلك )
- ونقل عن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب قولُه لأحد ولاته: (أنصف الناس من نفسك ومن أهلك، فإنك إلا تفعل تظلُم...وليس شيئاً أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامةٍ على ظلم.)
هذه الكلمات الخالدة الرائعة قيلت قبل أن يتشدق أدعياء حقوق المرأة المعاصرين بحوالي خمسة عشر قرنا ، وهي برأيي من أفضل ما قيل بحق الإنسان وحقوقه، هذه هي بعض أساسيات حقوق المرأة في الإسلام وغيرها الكثير الكثير.
وأختم كلامي بمسك الختام بقولِه تعالى( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ِوينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
|