واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
تابع التربية الروحية في الإسلام
التوبة وسعة المغفرة الإلهية 9
قال الله تعالى :( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرِّف الآيات لعلَّهم يفقهون)"الأنعام آية65"
بعد أن يتأكَّد الإنسان من عظمة الخالق عزَّ وجل وقدرته ,عليه أن يستوعب التعاليم الإلهية التي يجب أن يلتزم بها , والتي وضعها الله تعالى لمصلحة الإنسان وسعادته ,وأيَّ تقصير في تنفيذ هذه التعاليم يؤدي إلى خلل في المجتمع الإنساني ,فإذا كثر التمادي والتخريب كان لابدَّ من العقوبات الإلهية لإصلاح هذا الخلل .
وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى خطَّ المسيرة لآدم وذرِّيته ,منذ أمره بالهبوط إلى الأرض ,وهو أن يتَّبعوا منهج الله تعالى فقال:( قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) "البقرة آية 38".
إذن في حال الالتزام أمن وسرور, وفي حال المخالفة خوف وحزن .
وأول نموذج للمخالفة هو مخالفة آدم عليه السلام ,حين أكل هو وزوجته من الشجرة فبدت لهما سوآتهما ؛ و السوأة هي العورة , وأي عورة في المجتمع إذا بحثت عن أسبابها , وجدت أنها حدثت بسبب مخالفة مبدأ من مبادئ الله عزَّ وجل في الأرض .
والله تعالى ليس بعاجز عن تأديب المخالفين والمقصِّرين , المتهاونين بشريعته , والأمثلة في تاريخ الإنسانية كثيرة , وقد أورد القرآن الكريم جانباً منها , فمن هؤلاء من انصبَّ عليهم العذاب من فوقهم , كالرجم بالحجارة والطوفان , والصيحة والريح , كما فعل بعاد وثمود وأقوام شعيب ولوط ونوح عليهم السلام .ومنهم من فاجأهم العذاب من تحت أرجلهم , كالخسف والزلزال , والرجفة والبركان , كما فعل بقارون وأصحاب مدين .
ومنهم من يسلِّط الله عذاباً أشدُّ وأقسى هو العذاب النفسي , حيث يعيش الإنسان المخالف في دوَّامة , يفترسه الألم , وينهشه الحزن , ولا يعرف سبيلاً للخلاص .
وقد يسلط تعالى بعض المنحرفين على بعض , ويجعلهم فرقاً متناحرة , متحاربة , أهوائهم شتَّى ومذاهبهم مختلفة , والأنانية ديدنهم جميعاً .
وتصوير الآية للعذاب بأنه يأتيهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم , فيه من الرعب والإثارة ما فيه , فهو عذاب عام , شامل , غامر, يحيق بصاحبه , ولا يدع له مجالاً للحركة أو الهرب , ولو كان العذاب فقط عن اليمين أو عن الشمال لكان وقعة أخف ,إذ بوسع المخالف أن يجد ملاذاً في الأرض يحميه ,أو ركناً من أركانها يؤويه , ولكنه عذاب يُصبُّ عليه صبَّاً,أو ينبع من تحت قدميه نبعاً ,فلا يدع له مجالاً لأية حركة .
فيا أيها الإنسان ! تأمل بعين بصيرتك كيف ترد الآيات والدلائل بطرق مختلفة, منها عن طريق العقل , ومنها عن طريق عالم الغيب , لعلَّك تفقه الحقَّ , وتدرك الحقائق بأسبابها وعللها والتي تقضي إلى الاعتبار والعمل بما يرضي الله عزَّ وجل .
والحمد لله ربِّ العالمين
غازي صبحي آق بيق / أبو غانم |