واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
تابع التربية الروحية في الإسلام
إن شاء الله
قال اله تعالى ((وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا )) [الكهف/23، 24]
إن َّ ربط المؤمن مشيئته بمشيئة الله تعالى , حالة روحية تذكره بحضرته في كل حين و تخلق لديه شعوراً بالثقة و الطمأنينة و التسليم , و هذا لا يتنافى مع الدراسة والتخطيط المسبق الدقيق لأمور حياته كافَّة .
ولكن بعض الناس يُرجع أسباب تراخيهم وكسلهم إلى الإرادة الإلهية بقولهم : ( لو شاء الله لفعلنا ) وهذا فهم خاطئ للعقيدة , فلو فعلو لوجدوا أن الله تعالى قد شاء , ولا يمنعهم من تنفيذ ما أرادوه , فقد ترك لهم حرية الاختيار والعمل .
إن كل عمل من أعمال الكائن الحي مرهون بإرادة الله عزَّ وجل , وليس معنى هذا أن يقعد الإنسان دون تفكير في أمر المستقبل أو التدبير له , بل من المفروض في الإنسان العاقل أن يخطط لأموره كلها , و يبرمجها وفق نظام يتقيَّد به , وبذلك يستثمر كل أوقاته بشكل مجْدٍ لا هدر فيه, ولكن يجب أن لا يغيب عن باله أن يعيش أصلاً ضمن المخطط الإلهي , وهذا يعني أن يحسب حساب الغيب , أو حساب المشيئة التي تدبّره , وأن يعزم ويستعين بالمشيئة الإلهية ؛لأن الأمر لله عزّ وجل أولاً و أخيراً .
إن الموت حقٌّ ويمكن أن يقع في أية لحظة , والحوادث يمكن أن تعترض المرء في أي مكان , والأمراض يمكن أن تنزل به على حين غرة , لذا فإن تنفيذ رغباته مرهون أبداً بقوى تحيط به قد لا يستطيع التصرف أو التحكم فيها .
ومن هنا كان على الإنسان الابتعاد عن الحتميَّة في قراراته , وأن يربط إرادته بإرادة الله سبحانه و تعالى ,وأن يعد بتنفيذ الأمور المخطط أو الموعود بها بعد ربطها بالمشيئة الإلهية , فيقول سأفعل بإذن الله سبحانه وتعالى , حتى وإن أقسم على فعل وهو واثق بأنه لابدَّ فاعله , فليقرن يمينه بمشيئة الله سبحانه , لعله أن يعترضه ما يمنعه من أن يبرَّ قسمه . فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( من حلف فقال : إن شاء الله , فإن شاء مضى وإن شاء رجع غير حانث ) أخرجه النسائي وابن ماجه والبيهقي . وبهذا يستمرُّ الارتباط الروحي بين العبد وخالقه , بين الأسباب و مسبباتها .
هذا هو المنهج الذي أخذ به الإسلام قلب المسلم , وكلمة - إن شاء الله - هي عهد بالله القصد منه التنفيذ وليس المماطلة الخفية أو الاستهتار , إلا إذا حال عائق رباني يحول دون التنفيذ . وفي كل الأحوال لن يشعر المسلم بالوحدة و الوحشة وهو يفكر و يدبر , ولا يحس بالغرور وهو يفلح و ينجح , ولا يستشعر القنوط و اليأس وهو يفشل و يخفق بل يبقى في كل أحواله متصلاً بالله سبحانه و تعالى , قوياً بلإعتماد عليه , شاكراً لتوفيقه إياه , مسلماً بقضائه وقدره .
وإن دوام إعمار القلب بذكر الله عزَّ وجل يمتِّن أواصر هذا الارتباط ويعمِّق جذوره , و به يحصل المؤمن على الطمأنينة , فلا يشعر بالهلع و الجزع عندما تخرج الأمور من يده , وفي الوقت نفسه لا يتوانى عن مواصلة تعاطي الأسباب والمسببات و لا يحس بكسل أو تراٍخ , بل يشعر بالثقة و القوة لأنه لائذ بربِّه , راض بقضائه , فإذا انكشف له تدبير الله عزَّ وجل المخالف لتدبيره فإنه يستقبل قضائه بالرضا و التسليم .
و الحمد لله رب العالمين
أبو غانم / غازي صبحي آق بيق |