كتابٍ من صنعة متخصصٍ في علوم العربية عاش حياته لأجلها تأليفاً وتدريساً، ويدرك القارئ لهذا الكتاب تمكن المؤلف رحمه الله في هذا المجال وقدرته التي أعطت الكتاب ذوقاً فنياً عند صياغته له بمنهج مبسط واضح جامع. ::: المزيد
قال الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) [49- الحجرات/13] .
إن مسؤولية بناء المجتمع الإسلامي تقع على عاتق الرجل والمرأة على السواء , فقد خلق الله تعالى آدم وحواء وجعل من ذريتهما الشعوب والقبائل والأجناس والألوان , لذلك فلا بد لجسور التوادد و التواصل من أن تبقى قائمة بينهم ,فلا تفاضل ين لون وآخر , أو عرق وآخر , بل مساواة بين أمام حضرة ؛ الذين يكرم الناس لديه على درجة تقواهم , فمن أراد شرفا في الدنيا و منزلة في الآخرة فليتقى الله تعالى , كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( من سره أن يكون أكرم الناس فليتقي الله ) رواه الترمذي وقال حسن صحيح .
والتقوى معناها مراعاة حدود الله تعالى أمراً ونهياً , والاتصاف بما يرضيه عنا . وقد رفع الإسلام لواء التقوى لينقذ البشرية من عواقب العصبية للجنس أو القبيلة أو الأسرة , بشتى للأسماء, وهي في حقيقتها عصبية جاهلية والإسلام منها براء , وقد قال صلى الله عليه و سلم عنها : ( دعوها فإنها نتنة ) رواه أبو داوود , وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله أذهب نخوة الجاهلية وتكبرها بآبائها , كلكم لآدم وحواء , وإن أكرمكم عند الله أتقاكم , فإذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه ) .أخرجه البيهقي .
وأخرج الترمذي عن وائلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من أتقى الله أهاب الله منه كل شيء , ومن لم يتقِ الله أهابه الله من كل شيء ) .
وهذه القاعدة التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي , المجتمع الإنساني العالمي الّذي تحاول البشرية في خيالها المحلِّق أن تحقق لونا من ألوانه ولكنها أخفقت , لأنها لا تسلك الطريق الوحيد الموصل إليه , وهو الطريق إلى الهل تعالى , لذا نجد أن الله جل و علا يخاطب رسوله الكريم بتلك العبارة الشاملة , التي تتسع لتشمل سائر الأجناس والمذاهب والتي تنفي التحيز أو التعصب : (( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ )) [114- الناس/1-3] .
فالله هو رب الناس والرب هو المربي والموجه والراعي والحامي , وهو ملك الناس جميعاً , والملك هو المالك الحاكم المتصرف , وهو إله الناس جميعاً , والإله من وَلِه الكلّ به ولهجو باسمه ونادوا من أعماق قلوبهم أن الحمد لله رب العالمين .
ومن هنا نرى أن الإسلام بعد أن وضع القواعد السليمة لبناء النفس المؤمنة , سعى لإشباع نوازع النفس البشرية التواقة إلى الفوز و التفوق على الآخرين كما قال تعالى : (( ... وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [83- المطففين/26] )) .
أي في الأسباب الموصلة إلى ذلك النعيم ليكن التنافس و التسابق , وما أكثر هذه الأسباب , كالاستزادة من التخلق بالأخلاق الفاضلة قولاً وعملاً , والإكثار من البذل و التضحية و الفداء , والإقبال على العلم والتعلم بنهم .
وهكذا يأخذ كل مؤمن مكانه في فردوس النعيم حسب جده و جهده ولذ كانت درجات وكانت عليون الدرجة العليا التي ينالها أولو الألباب , وهم الصفوة من خواص المحبين لحضرة الله تعالى والعاملين الملتزمين بشرعه الخالد الحنيف .