تحية إعزاز وإكبار للرجال الذين صنعوا الجلاء
في الذكرى الثالثة والستين لجلاء المستعمر عن أرض سورية الحبيبة
عيد الجلاء هو أكبر مناسبة وطنية وقومية في الجمهورية العربية السورية وهو يوم الثأر لشهداء معركة ميسلون ولشهداء الثورات السورية الذين ضحوا بأرواحهم الطاهرة على مدى 25 عاماً ليتحرر الوطن من غاصبيه . وإليكم القصة باختصار :
عندما انتهت معركة ميسلون مساء 24 تموز 1920 التي سقط فيها مئات الشهداء وعلى رأسهم وزير الحربية البطل يوسف العظمة – دخل الفرنسيون في اليوم التالي دمشق التي أغلقت كل باب وكل نافذة حزناً وألماً .
وتوجه الجنرال غورو إلى قبر البطل صلاح الدين الأيوبي – وخاطبه بلهجة الغرور والتحدي بقوله : ها قد عدنا يا صلاح الدين ( إشارة إلى هزيمة الصليبيين الفرنسيين في معركة حطين المجيدة ) ( عام 1187 ) م .
ويقال أنه رفس القبر الشريف بقدمه ( وهذا يدل على أن هذا المستعمر لا يحمل أي ذرة من الأدب والأخلاق ) .
وفي اليوم التالي انتهت المملكة السورية الفتية التي تأسست في آذار 1920 – وانتهت في 25 تموز 1920 .
وبالرغم من أن معركة ميسلون كانت خاسرة من حيث النتيجة – إلا أنها من حيث المبادئ والبطولة والشرف نصراً معنوياً للأبطال الذين أقسموا ألا يطأ أرض الوطن غزاة أعداء متوحشون إلا على جثث الشهداء وقد وفوا بوعودهم وخضبوا أرض ميسلون بالدماء الزكية لـ 400 شهيد على رأسهم وزير الحربية البطل يوسف العظمة . وهذا الموقف الذي أضاء للشعب و الأجيال طريق العزة والكرامة ومقاومة كل عدو غاصب .
وهو من أيام العرب الخالدة ومنطلق من منطلقات الثورة العربية المجيدة حيث سقط فيها من الشهداء السوري والحجازي والفلسطيني واللبناني والعراقي في معركة قومية عربية اشتعلت في ميسلون وستستمر حتى تتحرر كامل الأرض العربية من المحيط إلى الخليج بما فيها القدس الشريف .
وما المقاومة الباسلة في فلسطين ولبنان و العراق والسودان والصومال إلا استمراراً لمعركة ميسلون
الثورة المسلحة 1920 – 1928 :
على أثر دخول الفرنسيين إلى سورية اشتعلت الثورات المسلحة في كل مكان – دمشق ( الغوطة ) – جبل العرب – جبال اللاذقية – تل كلخ في حلب –والفرات في الجولان – ثورات في أمكنة متفرقة ولكنها تنبع من صفوف الشعب السوري –ذات هدف واحد فهي مترابطة مع بعضها هدفها طرد الاستعمار بالقوة – وهي وطنية صرفة- وقومية بعيدة عن الإقليمية والطائفية .
وكم من بطولات وأبطال ظهر فيها وأبدع ولكن الثمن كان باهظاً .
يقول الجنرال ويفان – في حفل افتتاح المقبرة الفرنسية في بيروت عام 1924 – بلغت خسائر الجانب الفرنسي 15000 قتيل ( جندي فرنسي ) و 250 ضابط فرنسي – خلال خمس سنوات 1920 -1924 .
أم ا خسائر الشعب السوري فكانت 10000 شهيد منهم 6000 في المعارك والباقي نتيجة لقصف الطائرات والمدفعية – والإعدامات نتيجة المحاكمات الصورية .
حتى بزغ اسم سوريا في العالم كشعب بطل يكافح من أجل استقلاله بالغالي و النفيس ونالت إعجاب العالم بأسره .
وقد وصف الشاعر المرحوم بدر الدين حامد شاعر الثورة السورية هذه الفترة وحالة البلاد فيها بقله :
أي آفاقك لم يقطر دماً يا بلاداً جرعوها العلقما
كلما لاح لعيني شفق خلت فيه الدم أرضاً وسما
بدء الاتصالات الفرنسية السورية مع استمرار النضال والعصيات المدني 1928 – 1936 :
عندما وصل إلى سوريا ولبنان المفوض السامي الجنرال ده جونفيل أعلن أن السلام لمن يريد السلام والحرب لمن يريدها . وهذا إشارة إلى عرض المفاوضات بعد أن أيقنت فرنسا باستحالة إنهاء المقاومة السورية وكانت قد تشكلت في البلاد أحزاب وطنية سورية متعددة – ولإظهار حسن النية تراجعت فرنسا عن تقسيم سوريا إلى عدة دويلات ( دولة دمشق – دولة حوران وجبل العرب – دولة اللاذقية – دولة حلب ..... ) وذلك ليسهل على فرنسا السيطرة على سوريا ( فرق تسد ) واستمرت المفاوضات إلى أن ذهب وفد سوري برئاسة المرحوم هاشم الأتاسي – وعاد عام 1936 بمعاهدة فرنسية سورية – تسمى معاهدة 36 – التي تأخذ بعين الاعتبار سوريا دولة مستقلة وتحدد العلاقات بينهما مستقبلاً – ويدرس وضع القوات الفرنسية في سوريا – وبذلك هدأ الشعب وتوقف عن العصيان المدني وانتهى الاضطراب الشامل الذي استمر 50 يوماً في دمشق والمدن السورية .
الكفاح السياسي لنيل الاستقلال 1936 -1943 :
في هذه الفترة بوشر بتطبيق معاهدة 26 – التي أعطت لسورية قسماً كبيراً من الحرية – وتم انتخاب مجلس نيابي -وسن دستور – ورئاسة جمهورية – وكانت الحكومة السورية قد صدقت المعاهدة – 36 – إلا أن الجمعية الوطنية الفرنسية امتنعت عن التصديق – وأحالت الموضوع إلى وزارة الخارجية الفرنسية – وظهر توتر جديد بين سوريا وفرنسا - وصادف هذا التوتر إعلان الحرب العالمية الثانية – حيث أصبحت سوريا مركزاً للصراع – عام 1939 وأصاب البلاد السورية وبال كبير حيث نهبت الخيرات من البلاد لصالح مجهود الحرب وانهزمت فرنسا أمام ألمانيا ولكن بقي المفوض السامي في سورية ولبنان يتبع حكومة فينشي الموالية للألمان – وعمد الحلفاء إلى تخليص سوريا من الفرنسيين الفيشيين – وتمهيداً لذلك لا بد من إرضاء الشعب السوري فأعلن ديغول ( زعيم فرنسا الحرة ) من القاهرة باتصاله مع وزير الخارجية السوري المرحوم جميل مردم بك وأعلمه أن الجنرال كازو المفوض السامي الجديد ( من طرف فرنسا الحرة ) سيعترف باستقلال سورية وكذلك صدر إعلان بريطاني بذلك . وهكذا بدأت الأرتال الحليفة تدخل سوريا من فلسطين والأردن – وانسحب الفيشيين إلى بيروت ومنها إلى فرنسا – واحتل الحلفاء سوريا .
بواكير الاستقلال 1941-1943:
بعد أن قوي عود الفرنسييون الديغوليين في سوريا – بدعم الحلفاء حاولت فرنسا التنصل من وعودها وخاصة معاهدة 36 وحاولت زج عملائها بالسلطة حيث تصدى الشعب السوري ببسالة ووحدة تامة لفرنسا – التي رضخت أخيراً ووافقت على العمل بالاتفاقية –وعلى توحيد البلاد السورية – وأجريت الانتخابات -1943 وعادت الكتلة الوطنية بتركيبها – وفازت بالانتخابات وفي 7 آب 1943 انتخب المجلس النيابي فارس الخوري رئيساً له .
وتم انتخاب المرحوم شكري القولتلي رئيساً للجمهورية العربية السورية وبدأت الحكومة باستلام إدارات الدولة من السلطات الفرنسية – وأصبحت سوريا تمارس استقلالًا فعلياً وسعت مع الدول العربية الشقيقة لتأسيس الجامعة العربية حيث وقع الميثاق في 22 آذار 1945 في بلودان وساهمت بتأسيس الأمم المتحدة وتبادلت السفراء مع معظم دول العالم – وأصبح استقلالها أمراً واقعاً . ولكن بقيت القوات الفرنسية في سوريا والجيش المختلط ( السوري ) بيد فرنسا .
أحداث أيار 1945 وجلاء المستعمر عن أرض الوطن واستلام الجيش السوري .
طالبت سوريا بجلاء القوات الفرنسية – واستلام الجيش – وفرنسا ماطلت بذلك – ثم تبين للحكومة السورية أن هناك قوات فرنسية جديدة تنزل في ميناء بيروت . دون إعلام الحكومة السورية فقامت المظاهرات واشتعلت الثورة في المدن السورية مع سلسة من المفاوضات – وبدأت حركة العصيان المدني وتوتر الوضع أدى الصدام مع الفرنسيين . حيث أطلق الفرنسييون النار على الشعب فقام الأهالي باحتلال بعض الثكنات – وبلغ التوتر أشده في دمشق – حيث قامت قوة فرنسية مدعومة بالدبابات باقتحام البرلمان السوري رمز السيادة الوطنية – مما دعا حرس البرلمان من الدرك السوري ( 83) بالدفاع عن البرلمان والعلم السوري المرفوع عليه مما أدى إلى استشهاد ( 82) دركي ثم قامت الطائرات الفرنسية بقصف دمشق والمدن السورية بالمدفعية والطيران – وقام الثوار بالتصدي للقوات الفرنسية وأصلتها ناراً حامية وقد أصيب معظم الأحياء بدمشق بالنيران والحرائق والتدمير ودمرت الأحياء السكنية ودوائر الدولة و المرافق وكانت أشد المعارك معركة يوم 29 أيار 1945 .
وطلبت الحكومة السورية تدخل الحلفاء – ومجلي الأمن بعد أسبوع من المذابح فصد قرار مجلس الأمن بخروج القوات الأجنبية عن أرض سورية – خلال فترة زمنية تنتهي 16 نيسان 1946 . وهكذا تم تحديد يوم 17 نيسان يوم الاحتفال بجلاء آخر مستعمر عن أرض سورية الحبيبة .
استلام الجيش السوري من فرنسا ( مفاوضات شتورا ):
استمرت المفاوضات مع الجانب الفرنسي حول استلام الجيش المختلط – ليصبح الجيش السوري الوطني – وتم الاتفاق على أن يكون التسليم منتصف ليل 31 تموز 1آب 1945 وهذا ما تم تنفيذه ولذلك يعتبر يوم الاحتفال بيوم الجيش العربي السوري 1 آب من كل عام
سقط من الجانب الفرنسي في الأسبوع الأخير من أيار 1945
28 قتيل من الضباط + 250 جندي
فيما خسر الشعب السوري 500 شهد من بينهم 82 دركي في البرلمان + 500 جريح
واحتفلت سوريا لأول مرة بعيد الجلاء 17 نيسان 1946 بعد جهاد صادق وتضحيات هائلة ولهذا نعتز بهذا اليوم ونذكره ونقدر شهداء الوطن بكل فخر واعتزاز الذين صنعوا هذا الجلاء الغالي
اللواء أحمد يوسف
عودة إلى أرشيف كلمة الشهر |